ماذا لو أخبرتك أن هناك يومًا واحدًا فقط في السنة، تتجمّع فيه آلاف الأسماك الملوّنة قرب شاطئ جزيرة سعودية في مشهد لا يُصدق؟وماذا لو كانت هذه اللحظة الفريدة موعدًا سنويًا ينتظره السكان للاحتفال بالأهازيج والرقصات والذكريات؟ في جزر فرسان، لا يُعد مهرجان الحريد السياحي مجرّد مناسبة عابرة، بل طقس من طقوس الفرح والدهشة.
لمحة عن مهرجان الحريد السياحي
في عمق البحر الأحمر، وتحديدًا في جزر فرسان، يحدث حدث استثنائي كل عام يُعرف باسم مهرجان الحريد السياحي. مناسبة فريدة تجمع بين سحر الطبيعة وعراقة التقاليد، حيث تحتفل الجزيرة بوصول أسراب سمك الحريد في مشهد يُشبه الأسطورة. ويحمل المهرجان أهمية كبيرة، منها:
- يُعد رمزًا حيًّا لتراث فرسان البحري وعلاقتها الوثيقة بالبيئة
- يجذب الزوّار من داخل المملكة وخارجها لاكتشاف جمال الجزر وثقافتها
- يعزز السياحة البيئية والتراثية بما يتوافق مع رؤية السعودية 2030
- يُحافظ على تقاليد الصيد الجماعي والأهازيج الشعبية التي توارثها أهالي فرسان جيلًا بعد جيل
جزر فرسان السعودية

وسط مياه البحر الأحمر الزرقاء، تمتد جزر فرسان كعقد من اللآلئ المتناثرة جنوب غرب المملكة. تتميز هذه الجزر بطبيعتها البكر، وشعابها المرجانية التي تُعد من الأجمل في العالم، إضافة إلى تنوعها البيئي الذي يجمع بين الطيور المهاجرة، والغزلان الفرساني النادر، والشواطئ الرملية الهادئة التي لا تزال تحتفظ بسحرها الأصلي.
لكن جزر فرسان ليست مجرد مشهد طبيعي، بل مسرح لتاريخ عريق يشهد على حضارات مرت من هنا، من الرومان إلى العرب، ومن الصيادين الأوائل إلى سكانها اليوم. وفي قلب هذا التاريخ، يبرز مهرجان الحريد كأحد أبرز المناسبات الثقافية التي تعكس هوية الجزيرة وروحها البحرية، مما يجعل من جزر فرسان وجهة لا تُنسى لمحبي الطبيعة والتراث.
أحداث مهرجان الحريد السياحي
قبل شروق الشمس، يتسلل أهل فرسان إلى ساحل حصيص بخطى هادئة لكنها مشحونة بالحماس. الهدوء يخيّم على المكان، لا يُسمع سوى همسات البحر ونسمات الفجر. فجأة، تبدأ رائحة غريبة في الانتشار، رائحة مميزة يعرفها أهل الجزيرة جيدًا، وكأن البحر نفسه يهمس لهم أن الموعد قد اقترب. تتجه العيون نحو السطح، تراقب أي حركة، أي تموج خفيف قد يدل على اقتراب السواد، تلك الكتلة المتحركة من سمك الحريد. ومع كل لحظة، يتضاعف الترقب، ويتسع صمت البحر.
وفجأة، يُرصد أول سواد، تتبعه أسودة أخرى، وتبدأ عملية اصطياد الحريد. الكل على أهبة الاستعداد، يحملون شباكهم الصغيرة، ينتظرون إشارة واحدة. ثم يُسمع النداء المنتظر، صوت كبير الصيادين يصرخ بأعلى صوته: الضويني، ليتحول المشهد إلى لحظة اندفاع جماعي تشبه الانفجار، البحر يمتلئ بالحياة، والأرواح تمتلئ بالفرح.
اصطياد الحريد في مهرجان الحريد السنوي
- يبدأ الصيد بقيادة كبار الصيادين الذين يطوقون السواد باستخدام شباك تقليدية تُعرف بالأدوال، بحذر شديد دون إرباك حركة الأسماك
- بعد تطويق كل مجموعة على حدة، تُجمع الأسودة في دائرة واحدة كبيرة استعدادًا للمرحلة التالية من الصيد الجماعي
- يُطلب من الشباب والأطفال جمع شجيرات الكسب من الشاطئ ليتم بناء حاجز نصف دائري حول مجموعة الحريد يمنعها من الهروب
- يتم سحب الشباك تدريجيًا حتى تُحاصر الأسماك بين الشجيرات وتصل اللحظة التي ينتظرها الجميع وهي لحظة الانطلاق نحو البحر
- الصيد في هذا اليوم ممكن لأن الحريد يتجمّع بشكل نادر وبكثافة عالية قرب الشاطئ على عكس الأيام العادية حين يكون داخل الشعاب المرجانية
- ما يُميز هذا الصيد أنه عمل جماعي بامتياز يجتمع فيه الرجال والشباب وحتى الأطفال في مشهد يُجسد روح التكاتف والفرح الشعبي
فعاليات مهرجان الحريد السياحي

الرقصات والأهازيج الشعبية
مع بزوغ الشمس، يتحول الشاطئ إلى مسرح مفتوح ينبض بالحياة. تصدح الأهازيج القديمة التي توارثها أهالي فرسان جيلًا بعد جيل، وتترافق مع رقصات شعبية تعبّر عن الفرح والفخر بالموروث البحري، في لوحة فنية تعبّر عن روح الجزيرة.
مغامرات الطيران الشراعي والمسابقات
لا تقتصر أحداث مهرجان الحريد السياحي على التراث، بل تشمل أيضًا مغامرات الطيران الشراعي التي تتيح للزوار رؤية البحر من السماء، إلى جانب مسابقات صيد الحريد التي تضيف روح التحدي والحماس.
احتفال العروس الجديدة
من التقاليد الجميلة التي تعود إليها فرسان في هذا اليوم، هو الاحتفال بالعروس الجديدة التي تزوجت خلال العام، فتُزين وتُحتفى بها وسط الأهازيج والزيارات النسائية، وكأن الحريد جاء ليبارك لها بداية الحياة الزوجية.
تجسيد الهوية
يجمع المهرجان بين المتعة البصرية، والمشاركة المجتمعية، والاعتزاز بالهوية الثقافية، ليصبح تجربة فريدة تتجاوز مجرد حدث سياحي.
تأثير مهرجان الحريد السياحي
- يُجسد مهرجان الحريد ارتباط المجتمع الفرسانـي بعاداته وتقاليده، حيث تتكرر الطقوس ذاتها كل عام في صورة من صور الوفاء للهوية المحلية.
- تعكس لحظة ظهور الحريد قرب الشاطئ علاقة فريدة بين الإنسان والطبيعة، حيث ينتظر الأهالي هذه الظاهرة البحرية بتقدير واحترام كبيرين.
- يذكّر المهرجان بأهمية الحفاظ على البيئة البحرية والشعاب المرجانية، كونها الموطن الطبيعي للحريد وأساس هذا الحدث الاستثنائي.
- ينسجم المهرجان مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 في تعزيز السياحة البيئية والثقافية، وتسليط الضوء على كنوز وطنية منسية.
تسمية مهرجان الحريد السياحي
يعود اسم مهرجان الحريد السياحي إلى نوع من الأسماك المرجانية يُعرف بالحريد، وهي سمكة ببغائية الشكل تتميز بألوانها الزاهية وفمها الشبيه بمنقار الطيور. هذا التشابه العجيب، إضافة إلى سلوك السمكة الجماعي والدفاعي، يعكس الكثير من قيم مجتمع فرسان مثل الترابط، واليقظة، والاحتفال الجماعي. ولهذا أصبحت السمكة أكثر من مجرد كائن بحري، بل رمزًا ثقافيًا يتكرر ظهوره سنويًا في طقوس لا تشبه أي طقس آخر.
ختاما، مهرجان الحريد السياحي ليس مجرد حدث موسمي، بل قصة حية تُروى كل عام بين البحر والناس. يجمع بين عبق التراث وروح المغامرة في لحظة تنتظرها الجزيرة بشغف. في كل موجة حريد تقترب من الشاطئ، ينبض قلب فرسان بحكاية لا تنتهي.
لمزيد من القصص الساحرة عن ثقافة المملكة ومهرجاناتها الغنية، ندعوك لمتابعة مدونة بيوت السعودية حيث نسلّط الضوء على أجمل الفعاليات والمناسبات التراثية. لا تفوّت قراءة مقالنا الشيق عن مهرجان التراث العربي، لتتعرف على كيف يُجسد الماضي بروحه الأصيلة في قلب الحاضر، ضمن أجواء احتفالية تعبّر عن الفخر والهوية السعودية.