يرتبط شهر رمضان المبارك بالعديد من الرمزيات والطقوس والأجواء المميزة والرائعة والخاصة به، إضافةً إلى ما يكتنز به الشهر الكريم من الطاعات والأعمال الخيّرة، ولعلّ أحد أبرز هذه الرمزيات التي يختص ويتميز بها شهر رمضان دوناً عن غيره من أشهر العام؛ هي فوانيس الإنارة أو الإضاءة التي باتت تُتسخدم للزينة وغدت تُعرف باسم فوانيس رمضان في الوقت الحالي.
في هذا المقال؛ نبيّن ما هي فوانيس رمضان إلى جانب البحث في تاريخها وكيف أصبحت مُعبّرةً عن الشهر الفضيل، كما نستعرض بعضاً من استخداماتها وطقوس الاحتفال بها، ونتحدث عن صناعتها والتجارة بها.
ما هي فوانيس رمضان؟
تختلف الآراء حول معنى كلمة فانوس لغوياً؛ إذ ينسبها البعض إلى الكلمة اليونانية “فانس” ويعدّونها مشتقةً منها، حيث تُشير الكلمة اليونانية إلى الأداة المستخدمة في الإنارة والتي تقابلها في اللغة العربية بشكلٍ دقيقٍ كلمة “مِشعل”، فيما يذكر الفيروز آبادي (مؤلف كتاب معجم القاموس المحيط) أن كلمة “فانس” الإغريقية تعني بالعربية “نمّام” وترتبط الكلمة بتسمية فانوس رمضان من حيث المعنى الذي يُشير إلى تبديد الظلام وإنارة العتمة، كما يبدد النمّام ستر الناس، في حين يعتقد بعضاً آخر أن كلمة فانوس بالعربية مشتقةً من كلمة ” هانوس” اليونانية أيضاً، والتي تعني “الضوء”.
وإجمالاً فإنها تُطلق كلمة “فانوس” في العربية على المصباح الذي يُسخدم للإنارة ويكون ذو شكلٍ وتصميمٍ محاطٍ بالزجاج أو بعناصر عازلة لتقي الضوء من الضرر، أو من الانطفاء في حال كان مُشعلاً بالزيت أو الوقود الذي يفضي إشعاله إلى تشكل النّار على هيئة ضوء، وفيما يُحمل الفانوس باليد أو يُعلق على الجدران أو يوضع في مكانٍ مناسبٍ له؛ فإنه يُسمى بتسمياتٍ أخرى أيضاً في اللغة العربية من قبيل “السراج” أو “القنديل” أو “الفتيلة الموقودة” أو “المشكاة” “المصباح” أيضاً.
وبينما ارتبط إشعال هذه الفوانيس تاريخياً بحلول شهر رمضان المبارك، فلقد غدى يُعرف أيضاً باسم فانوس رمضان تِبعاً لانتشار استخدامه للإضاءة والزينة والاحتفال بقدوم الشهر الفضيل.
تاريخ فوانيس رمضان
تتباين وتتعدد الروايات التاريخية أيضاً عن ارتباط الفوانيس بشهر رمضان كرمزٍ اجتماعي وشعبي وثقافي مُعبّر عن قدوم وحلول الشهر الكريم إلا أنها تتفق في مُجملها على كون أن مصر كانت مهداً لهذه الرمزية التعبيرية؛ إذ تُرجع إحدى الروايات الأمر إلى استعداد المصريون لاستقبال “المُعز لدين الله” الذي كان رابع الخلفاء الفاطميين عموماً وأولهم في مصر، وهو الذي وصل إلى مشارف القاهرة بتاريخ 15 رمضان 362هـ (972م)، واستقلبوه المصريون آنذاك حاملين الفوانيس والمشاعل وواضعيها على قواعد خشبية مغطاة بالجلود للحفاظ على بقاء الشموع مشتعلة ومضيئة داخل الفوانيس، من ثم صار الأمر طقساً سنوياً للاحتفال بذكرى الاستقبال ليغدو بعد ذلك طقساً للاحتفاء بشهر رمضان وقدومه أو حلوله.
أما الرواية الثانية؛ فتقول إن الخليفة الفاطمي في مصر كان يخرج ليلاً رفقةً العلماء والفقهاء لتحرّي هلال رمضان، وكان يلحق به النساء والأطفال، حيث كان تُحمّل فوانيس رمضان للاطفال ويرددون الأناشيد والأغاني احتفالاً وابتهاجاً بحلول الشهر الفضيل، ومرةً بعد أخرى أصبح الأمر طقساً معتاداً وثابتاً في رمضان.
الرواية الثالثة حول تاريخ فوانيس رمضان؛ تُرجح أن الحاكم بأمر الله في مصر كان يأمر بإضاءة المساجد بالفوانيس طيلة شهر رمضان، وكذلك تزيين واجهات البيوت والأزقة بها، وتغريم كل من يعصي الأمر، حتى جرت العادة على اتباع هذا السلوك وهذه الاحتفالية في شهر رمضان بشكلٍ طوعي تعبيراً عن الابتهاج بقدوم الشهر الكريم.
فيما تقول الرواية الرابعة أن الخليفة الحاكم بأمر الله في مصر؛ كان يمنع خروج النساء من بيوتهن ليلاً إلا في شهر رمضان شريطة أن يسبقهن الأطفال والغلمان حاملين الفوانيس لإنارة الطريق لهن وتنبيه الرجال كي يبتعدوا عن طريقهن.
وفي حين تسرد رواية أخرى أن الأمر لم يكن مرتبطاً بقراراتٍ من الحكّام؛ فتُبيّن هذه الروايات أن الناس كان ينتشرون في الأزقة والحواري قديماً للتزاور وقضاء السهرات في رمضان، وكانوا يحملون الفوانيس لتنير طريقهم ليلاً مما أفضى ليُصبح هذا السلوك مُعبراً عن شهر رمضان المبارك.
ومن جهة أخرى؛ فيرى بعض المؤرخين والمُفكرين والباحثين؛ أن استخدام الفوانيس تعبيراً عن الفرح والابتهاج بحلول شهر رمضان بدأ من مصر، ولكن اقتُبس من احتفالات الأقباط المسيحيين في مصر بعيد الميلاد المجيد؛ إذ كانوا يُشعلون الفوانيس المليحة والجميلة احتفالاً بالعيد واحتفاءً بقدومه، ومن هنا شاعت هذه الطقوس الاحتفالية بين المسلمين في مصر أيضاً أثناء شهر رمضان لتنتقل إلى العالم الإسلامي أجمع بعدها شيئاً فشيئاً.
استخدامات الفوانيس والاحتفال بها في رمضان
بينما كانت فوانيس رمضان تُتسخدم سابقاً لإنارة الطُرق بشكلٍ رئيسي، وكذلك لتكون تعبيراً عن الاحتفال والابتهاج أيضاً؛ فلقد أضحت فوانيس رمضان بعد اكتشاف الكهرباء واستخدامها للإنارة لاحقاً؛ مجرد تعبيرٍ عن الاحتفاء والفرح بقدوم وحلول شهر رمضان الكريم، ولقد صار الناس يعلقون فوانيس وهلال رمضان أو يعلقون أشرطة إضاءة على بيوتهم وشرفاتهم وبين الطرق وعلى أبواب المحلات وفي الشوارع، سواءً كانت هذه الإضاءات ممدوةً أو مُشكّلة على شكل فوانيس أو أهلة، ناهيك عن رسم فوانيس رمضان على الجدران والأوراق تعبيراً عن احتفالهم ومسرتهم بمجيئ شهر رمضان في كل عام.
صناعة فوانيس رمضان وأشكالها
لقد كانت الفوانيس تلقى رواجاً تجارياً طوال العام قديماً نظراً لاستخداماته اليومية في الإنارة، إلا أن استخداماتها اقتصرت لاحقاً على الاحتفال والزينة في شهر رمضان مع بعض الاستخدامات الطفيفة في حال انقطاع التيار الكهربائي، وفي حين كانت الفوانيس تُصنع من النُحاس أو المعدن أو من الزجاج وتُضاء أو تشعل بواسطة الزيت أو الوقود والفتيلة التي تُصدر ناراً في بادئ الأمر؛ فلقد تطوّرت صناعة الفوانيس شيئاً فشيئاً على أيدي الحرفيّين بما تشتمل عليه من نقوش وزخارف بديعة حتى غدت تُصنع فوانيس رمضان كبيرة وكذلك فوانيس رمضان صغيرة من البلاستيك أو من أشرطة الإضاءة إلى جانب صناعة فوانيس رمضان كرتون وقماش أيضاً، إضافةً إلى استمرار صناعتها من الزجاج والنحاس والمعادن الأخرى أيضاً.
بهذا نكون قد قدّمنا لك في هذا المقال؛ معلومات وافية ومتكاملة عن فوانيس رمضان بما يشمل التعريف عنها وتوضيح معناها، إلى جانب استعراض تاريخها وأبرز روايات ارتباطها بشهر رمضان، كما بيّنا استخدامات الفوانيس وطقوس الاحتفال بها في رمضان، وكذلك فلقد تحدثنا عن صناعة فوانيس رمضان وأشكالها أيضاً.
إذا كنت ترغب بالحصول على المزيد من المعلومات، وقراءة العديد من المقالات الأخرى المهمّة والشيّقة؛ فإننا ندعوك لتفقّد مدوّنة بيّوت السعودية والبقاء على اطّلاعٍ بكُلِ جديدٍ أولاً بأول.