لقد وصل العالم اليوم إلى مستويات متقدمة ومتفوقة من التطور الصناعي والتقني وتسهيل الحياة البشرية بفضل تسخير مصادر الطاقة النظيفة للمصلحة البشرية والاعتماد عليها في العديد من القطاعات مثل القطاع الصناعي، والتقني، والزراعي، والعسكري، والتجاري، وما سوى ذلك من القطاعات الأخرى المعنية بالاعتماد على مصادر الطاقة لتشغيلها وتحقيق الإنجازات والتطورات فيها.
وفيما يُشكّل الاعتماد على الوقود الأحفوري ما نسبته نحو 80% من مجمل إنتاج الطاقة العالمي؛ وهو ما يُمثّل خطراً محدقأً بكوكب الأرض؛ إذ تتسبب عناصر أو مصادر الوقود الأحفوري بما نسبته نحو 90% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تحديداً، ونحو 75% من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية عموماً، وهي التي تنطلق جميعها إلى الغلاف الجوي لكوكب الأرض، وتمتلك القدرة على امتصاص الأشعة تحت الحمراء التي تطلقها الأرض وتستقبلها غازات الدفيئة من ثم تعيد إرسالها إلى الأرض، مما يُفضي إلى رفع درجة حرارة الهواء وتقليل فرص توريد الحرارة من الأرض إلى الفضاء الخارجي، وهو ما يتسبب في تسخين جو الأرض وإحداث ظواهر الاحتباس الحراري، والاحترار العالمي التي تساهم في تغيير درجات الحرارة في كوكب الأرض، ذلك إلى جانب ظاهرة تحميض المحيطات، والتلوث البيئي، وتُنبئ هذه الظواهر بمخاطر جسيمة قد تصيب مناطق مختلفة من العالم.
ولذا؛ فإن الحل لهذه التأثيرات السلبية واضح ودقيق علمياً؛ وهو الذي يتجلى في وجوب خفض الانبعاثات بمقدار النصف تقريباً بحلول العام 2030 والوصول بها إلى مستوى الصفر بحلول العام 2050 لتجنب أسوأ آثار ظاهرة تغير المناخ وما سواها من الظواهر الأخرى التي تهدد العالم وتدق ناقوس الخطر حياله، وفي هذا الصدد؛ فإنها تكمن طريقة تخفيض هذه الانبعاثات الضارة في تقليل الاعتماد شيئاً فشيئاً على مصادر الطاقة المتأتية من الوقود الأحفوري وصولاً إلى الاستغناء عنها تماماً، والتحول أو الانتقال إلى الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة أو عناصر الطاقة المتجددة بدلاً من مصادر طاقة الوقود الأحفوري أو ما تُعرف بمصادر الطاقة البديلة.
في هذا المقال؛ نسلط الضوء على الطاقة النظيفة ونسرد أهم المعلومات حولها بما يشمل التعريف عنها، وتوضيح مصادرها، إلى جانب استعراض إيجابيات الطاقة المتجددة ومنافعها وسُبل الاستفادة منها.
ما هي الطاقة النظيفة أو المتجددة؟
الطاقة النظيفة، أو الطاقة المتجددة، أو الطاقة الطبيعية، أو الطاقة المستدامة؛ هي التسميات التي تشير بمجملها إلى الطاقة المُستمدة أو المُنتجة من مصادر طبيعية ومستدامة، بمعنى أنها لا تخضع لعمليات تحسين ومعالجة، ولا تتعرض لإجراءات كيميائية، ولا تبعث انبعاثات خطيرة أو ضارة تتسبب بمشاكل بيئية أو صحية، كما أن مصادر الطاقة النظيفة أو الطاقة الطبيعية قادرة على التجدد باستمرار ومتوفرة بشكلٍ لا ينضب تقريباً، ولا يفنى إلا بفناء الحياة على كوكب الأرض.
مصادر الطاقة النظيفة في العالم
تتعدد وتختلف مصادر الطاقة الطبيعية أو الطاقة المتجددة في الأرض، وتتجدد طاقات عناصر الطاقة الطبيعية أو النظيفة بمعدل يفوق بقدرٍ كبيرٍ وهائل القدر الذي يتم استهلاكه منها، ولعلّ من أبرز مصادر الطاقة النظيفة أو الطاقة المستدامة في الكرة الأرضية ما يلي:
طاقة الشمس
تُعد الشمس مصدر الطاقة الأكثر وفرة بين مصادر الطاقة في الأرض كافة؛ إذ يفوق معدل اعتراض الأرض للطاقة الشمسية بنحو 10,000 مرة معدل استهلاك البشر للطاقة بحسب منظمة الأمم المتحدة للعمل المناخي، كما تجدر الإشارة إلى إمكانية الاستفادة من أشعة الشمس كمصدرٍ للطاقة حتى في الطقس الغائم، واستخدام الطاقة الشمسية للمنازل وغيرها من المنشآت الأخرى بشكلٍ فعّال وموفّر.
طاقة الرياح
لطالما اعتمد البشر على الرياح لتوليد الطاقة منذ آلاف السنين؛ وما تزال مستخدمة حتى يومنا هذا بشكلٍ ملحوظٍ في توليد الطاقة الكهربائية عن طريق توربينات الرياح الدوّارة الكبيرة التي يُمكن تثبيتها على اليابسة أو في البحار.
الطاقة الأرضية أو الطاقة الحرارية الأرضية
يُقصد بهذه الطاقة أنها الطاقة الحرارية المُخزّنة في باطن الأرض، وهي التي يتم استخراجها من خزانات حرارية أرضية بواسطة آبار أو وسائل أخرى مشابهة.
الطاقة الكهرومائية أو طاقة المياه
تُعد الطاقة المائية أكبر مصدر طاقة متجددة لتوليد الكهرباء حالياً، ويتم إنتاجها اعتماداً على طاقة المياه المتدفقة من الأعلى لأسفل والمُخزّنة في خزّانات مياه مُخصصة، وعادةً ما تُقام هذه الخزّانات على مجرى نهر للاستفادة من قوة تدفق المياه في الأنهار، وفيما يعتمد إنتاج هذه الطاقة بشكلٍ جزئيٍ على هطول الأمطار؛ فقد يتأثر استخراجها بحالات الجفاف أو التقلبات في الأنظمة البيئية التي تنعكس على انخفاض معدل هطول الأمطار أحياناً.
الطاقة البحرية
تجري الاستفادة من الطاقة البحرية عبر استخدام عناصر تقنية لاغتنام الطاقة الحركية والحرارية لمياه البحار، وهي التي تتمثّل بحركتيّ المد والجزر، وانطلاق الأمواج، وكذلك التيارات البحرية، مما يسهم في إنتاج الكهرباء أو الحرارة بناءً على ذلك.
الطاقة الأحيائية أو الحيوية
تضم عناصر هذه الطاقة كُلاً من الخشب، والفحم، والروت، والسماد الطبيعي، جنباً إلى جنبٍ مع محاصيل زراعية وأشجار معيّنة، وكذلك المخلفات الزراعية والحرجية، ضِف إلى ذلك النفايات العضوية، وما سواها من العناصر الحيوية أو الأحيائية الأخرى المشابهة والمُستخرجة عادة من النباتات والأشجار، وتٌستخدم أنواع الطاقة والحرارة الناتجة من هذه العناصر عادةً في الأنحاء الريفية لأغراض الطهي والإضاءة والتدفئة.
إيجابيات الطاقة المتجددة ومنافعها وسُبل الاستفادة منها
في حين أن مصادر الطاقة المُستخرجة من الوقود الأحفوري تحظى بتفوقٍ في بعض الجوانب على مصادر الطاقة النظيفة أو المستدامة من قبيل سهولة وتركيب أجهزة وعناصر استخرجها، إلى جانب عدم حاجة معداتها إلى مساحات كبيرة، وكذلك التكلفة التأسيسية المعتدلة نسبياً لمعدات وعمليات الاستخراج، ضِف إلى ذلك عدم الحاجة الكبيرة لصيانة المعدات، ناهيك عن وضوح حدودها بخلاف وعدم تغيّر أو تقلب نسبها بين حين وآخر بخلاف عناصر الطاقة النظيفة أو الطاقة المتجددة مثل الشمس التي قد تغيب جزئياً في الشتاء مثلاً، أو الرياح التي قد تهدأ بين آن وآخر، وكذلك المياه التي قد تركد حركتها من وقتٍ لآخر أيضاً، وعلاوة على ذلك؛ فإنها ما تزال القدرة الإنتاجية للكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة أو الطبيعية غير كافية للاستهلاك الإنساني تماماً، إلا أن العمل جارٍ على قدمٍ وساقٍ حيال تعزيز الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بهدف الوصول لكونها الخيار الرئيسي والأساسي لاستخراج أنواع الطاقة بما في ذلك الطاقة الكهربائية وما سواها من الأنواع الأخرى للطاقة، وذلك بُغية التخفيف قدر الإمكان والوصول إلى الحد الأدنى من انبعاثات الغازات الخطيرة والضارة التي تُنذر بمخاطر بيئية جسيمة، فضلاً عن الهدف المتجلي في إيجاد بديلٍ أجود وأفضل وأكثر استدامة من الوقود الأحفوري الآخذ بالانحسار وانخفاض أو اضمحلال منسوبه شيئاً فشيئاً في العالم.
ومن هنا؛ فإنها تتبدّى إيجابيات مصادر الطاقة المتجددة أو النظيفة ومنافعها أو سُبل الاستفادة منها بالعديد من الميّزات والعناصر وأبرزها ما يلي:
الوفرة والاستدامة
إذ تتوفر مصادر الطاقة النظيفة كالشمس، أو الرياح، أو الماء؛ في كل بلدان ومناطق العالم تقريباً، في حين يعتمد نحو 80% من سكان العالم على استيراد بلدانهم ودولهم للوقود الأحفوري وعناصر طاقته، وبالتالي فإن الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة أو المتجددة يكفئ عن سكان العالم حاجتهم للاستيراد كما يجنبهم أخطار الدخول في أزمة جيوسياسية مع الدول التي يستوردون الوقود الأحفوري منها.
الأمان والمحافظة على الصحة
لا خلاف في تسبب استخراج الطاقة من الوقود الأحفوري في مشاكل صحية للأِشخاص حول العالم؛ إذ تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى تنفّس نحو 99% من سكان العالم هواءً يتجاوز الحدود القصوى لجودة الهواء، الأمر الذي يهدد الصحة ويُمكن أن يسبب بحالات وفاة مليونية بحسب الجهات الصحية العالمية المختصة بسبب ما ينجم أو ينبعث من غازات غير صحية جرّاء حرق الوقود الأحفوري، وفي هذا الصدد؛ فإن مصادر الطاقة النظيفة أو المتجددة تتيح فرصة للتخلص من هذه الآثار الضارة صحياً وبيئياً، وإنتاج طاقة نظيفة وآمنة على الإنسان والبيئة.
الجدوى الاقتصادية والتكلفة المنخفضة
فيما كانت تكلفة استخراج مصادر الطاقة النظيفة أكثر ارتفاعاً وأعلى من تكلفة استخراج طاقة الوقود الأحفوري سابقاً؛ فإنها انخفضت بشكلٍ مُطّرد خلال السنوات القليلة الماضية لتصبح الأقل تكلفة لاستخراجها حول العالم، كما يؤشر منحناها البياني إلى مزيدٍ من الانخفاض في التكلفة خلال السنوات القادمة لتكون أكثر انخفاضاً وأقل تكلفة مما سبق ومن الآن أيضاً، وبالتالي؛ فبينما قد يحتاج تأسيس البنية التحتية لاستخراج الطاقة النظيفة أو المتجددة لتكاليف باهظة نوعاً ما في بادئ الأمر؛ إلا أنها ستعود على الدول بالجودة والمنفعة الاقتصادية في نهاية المطاف، إذ تكون تكاليف الاستخراج لاحقاً أقل وأفضل من تكاليف استخراج طاقة الوقود الأحفوري أو استيرادها، مما يُفضي إلى الحصول على طاقة نظيفة وخالية إلى حدٍ كبيرٍ جداً من الكربون والانبعاثات الضارة من جهة، وكذلك عدم إنفاق تكاليف اقتصادية كبيرة أو باهظة من ناحية أخرى.
خلق أو توفير فرص عمل جديدة وكثيرة
بحسب توقعات الوكالة الدولية للطاقة؛ فإن التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة قد يؤدي إلى فقدان نحو 5 ملايين شخص لوظائفهم في هذا القطاع؛ إلا أن الأمر المُبشر بخير؛ أنها تشير التوقعات ذاتها؛ إلى أن التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة قد يُفضي كذلك إلى استحداث نحو 14 مليون وظيفة جديدة في قطاع الطاقة المتجددة، إلى جانب توقع الحاجة إلى توظيف نحو 16 مليون موظف أو عامل آخرين في أدوار وظيفية ضمن القطاع ذاته وبما يتصل بوظائف مثل تصنيع وإنتاج السيارات الكهربائية، وفي مجالات مثل تصنيع وإنتاج الأجهزة التقنية المتقدمة، وشتى التقنيات الحديثة والمبتكرة، وبذلك فإن هذا ما يحقق في المُحصّلة كسب نحو 25 مليون وظيفة جديدة في هذا القطاع حول العالم.
وبناءً على كُلِ ما سبق؛ فلقد أضحت العديد من الدول حول العالم تحث الخطى نحو الانتقال إلى الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة والطبيعة والمستدامة، وهذا ما تؤازره وتحث عليه هيئة أو جمعية أو منظمة مؤتمر الطاقة العالمي أو المؤتمر العالمي للطاقة، وهو الذي تستضيف المملكة العربية السعودية دورته أو نسخته السابعة والعشرين في العام 2026م، في ضوء حذو المملكة أيضاً نحو الانتقال إلى إنتاج الطاقة المتجددة في السعودية والاعتماد على مصادر الطاقة الطبيعية والنظيفة والمتجددة.
بهذا نكون قد قدّمنا لك في هذا المقال؛ معلومات وافية ومتكاملة عن الطاقة النظيفة أو المستدامة التي تتخذ تسميات أخرى مثل الطاقة الطبيعية أو الطاقة المتجددة أيضاً، إذ أننا وضحنا تعريف الطاقة النظيفة أو المتجددة، واستعرضنا أبرز مصادر الطاقة النظيفة في العالم، كما بيّنا إيجابيات الطاقة المتجددة ومنافعها وسُبل الاستفادة منها أيضاً.
إذا كنت ترغب بالحصول على المزيد من المعلومات، وقراءة العديد من المقالات الأخرى المهمّة والشيّقة؛ فإننا ندعوك لتفقّد مدوّنة بيّوت السعودية والبقاء على اطّلاعٍ بكُلِ جديدٍ أولاً بأول.