كما يخلق اللهُ الناسَ بأطوار متلاحقة في بطون أمهاتهم؛ فيُمر البشر كذلك بأطوارٍ متعاقبة في حال تعميرهم، وذلك منذ خروجهم إلى الحياة وحتى وفاتهم؛ إذ تبدأ هذه الأطوار أو المراحل العمرية بالطفولة مروراً بالصبا فمرحلة الشباب ووصولاً إلى الشيخوخة، وفي ضوء كونها المرحلة الأخيرة من عمر الإنسان على الأرض؛ فعادةً ما يدور الحديث وتُطرح حولها التساؤلات ويُتوخى الحذر في الوصول إليها.
لذا؛ فإننا نتحدث في هذا المقال؛ عن مرحلة شيخوخة من العمر بما يشمل التعريف عنها، وتجلية وقتها أو فترتها العمرية بحسب الاعتقادات الشائعة، جنباً إلى جنبٍ مع توضيح أسبابها وأنواعها بما في ذلك الشيخوخة المبكرة كما نسرد بعضاً من أهم وأبرز علامات أو أعراضها أيضاً.
ما هي الشيخوخة؟
هنالك أكثر من رواية أو طرحٍ يتناول تعريف الشيخوخة والمقصود من مفهومها؛ إذ أنه ليس هنالك تعريف ثابتٌ ومتفق عليه حول معناها، وذلك بوصفها تعبيراً متغيراً من وجهة نظر إلى أخرى، إلا أنه شاع إطلاق تسمية شيخوخة عموماً على مرحلة التقدم في العمر وذلك دون الاستناد إلى أُسس علمية أو بيولوجية، وفي هذا السياق؛ فإنه يرتبط التعريف المُفترض للشيخوخة بالأسباب المُفترضة أيضاً لها، وهي التي نوضحها في ما يلي.
أبرز أسباب الشيخوخة
فيما تختلف وتتعدد أيضاً الافتراضات والرؤى حول الأسباب الحقيقية للشيخوخة، فإنها تبرز بعضها أكثر من سواها، إذ يذهب بعض المفسرين والمفكرين والباحثين في الأمر إلى تعريف الشيخوخة على أنها الوصول إلى سنٍ عُمريٍ مُعيّن مع الإشارة إلى أنه قد يختلف هذا الحد العمري من مجتمع إلى آخر أو من دولةٍ لأخرى، إذ يُعتبر بدء سن هذا المرض في بعض المجتمعات اعتباراً من عمر الـ60 – 65 للمرأة والرجل على حدٍ سواء، فيما ترى مجتمعات أخرى أنها تبدأ من سن الـ60 للمرأة وسن الـ65 للرجل، في حين يقول رأي آخر أنها تدخل حيّزها بوصول المرأة لسن الـ50 ووصول الرجل لسن الـ60، بينما يخالف هذا الرأي رأيٌ آخر بالاعتقاد أن عمر الـ55 هو سن الشيخوخة للرجل وأن عمر الـ50 هو سن الشيخوخة للمرأة، وعموماً فإن الاختلاف في تحديد سن الشيخوخة هذا؛ مرده إلى اختلاف متوسط أو مستوى الأعمار في كل مجتمع عن الآخر، ووفقاً لهذه الرواية فإنه ليس هنالك سبب محدد للوصول إلى الشيخوخة سوى التقدم في العمر فقط.
وبمعزلٍ عن ارتباط الشيخوخة بالعمر؛ فإنها ترى معتقداتٌ أو رؤى أخرى خلاف ذلك عبر الحديث أن الشيخوخة هي الحالة التي تُعبّر عن تغيّر جذري في الأنشطة الاجتماعية المُعتادة للأفراد، بحيث تشهد هذه الحالة أو المرحلة هجراً للعلاقات الاجتماعية وتنصلاً من الأدوار الحياتية مما يُفضي لشعور هؤلاء الأشخاص من هذه الحالة بلا أفق مجتمي أو حياتي، وتِبعاً لهذه الرؤية؛ فإنها تتمثل أسباب الشيخوخة اعتماداً على هذا التعريف بالتقدم في العمر مع فقد الأدوار العملية والاجتماعية وعدم القدرة على تأدية النشاطات الحياتية وانخفاض الثقة بالنفس جنباً إلى جنبٍ مع انخفاض المكانة الاجتماعية، وفي حين يركز هذا التعريف على الضعف؛ فإنه يعزو تعريفٌ آخر مرحلة الشيخوخة إلى أنها تُعبّر عن التقدّم في العمر مع بلوغ الأشد واكتساب الخبرة والحنكة والرؤية الثاقبة والعقل الراجح وسداد القول إلى حدٍ بعيد، وذلك عطفاً على الأسباب المتمثلة بتقدم العمر مع علو المكانة الاجتماعية وازدياد الخبرة والمرور بتجارب كثيرة ومتعددة واكتساب قدرٍ أكبر من المعرفة والحكمة.
ومن جهة أخرى فتربط وجهات نظر ودراسات بحثية تعريف الشيخوخة بحدوث خلل أو تلفٍ أو هرمٍ في بعض الوظائف العضوية أو الفكرية أو كلاهما للإنسان بسبب تقدم العمر ومرور الزمن أو الوقت، وتضرر الصحة الجسدية أو الصحة النفسية أو السلوكية، أو بسبب عوارض أخرى ذات صلة، وهذا ما يقودنا إلى الحديث عمّا يُعرف باسم شيخوخة مبكرة التي نسرد أهم المعلومات والتفاصيل عنها تالياً.
الشيخوخة المبكرة
قد يعتقد البعض بارتباط الشيخوخة المبكّرة بظروف التقدم أو العمر أو الظروف الاجتماعية أو السلوكية وما شابهها، إلأ أن الحقيقة منافية لذلك تماماً، وهي أن الشيخوخة المبكرة تُعرف كذلك بمتلازمة بروجيريا هاتشينسون-غيلفورد-، وهي عبارة عن اضطراب وراثي تصاعدي شديد الندرة يسبب ما يبدو وكأنه التقدم السريع في ما يُمكن تسميته بالعمر البيولوجي للأطفال بدءاً من أول عامين في حياتهم، وإجمالاً؛ فإنها لا تظهر أية مشاكل صحية على الأطفال المصابين بالشيخوخة المبكرة عند ولادتهم، إلا أنها تبدأ أعراضها بالظهور تدريجياً خلال العامين الأول والثاني من العمر متجليةً أبرزها وأكثرها شيوعاً ببطء النمو وفقدان الأنسجة الدهنية وتساقط الشعر وما سوى ذلك من الأعراض ذات الصلة، وغالباً ما تكون الأسباب الحتمية لوفاة معظم الأطفال المصابين بالشيخوخة المبكرة متمثّلة بمشكلات القلب أو السكتات الدماغية، وذلك مع الإشارة إلى أنه أنها تشير بعض الدراسات إلى بلوغ متوسط العمر المتوقع للأطفال المصابين بالشيخوخة المبكرة نحو 15 سنة، مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية وفاة بعض المصابين بهذه الحالة المَرَضية في سن أصغر أو امتداد أعمارهم إلى فترة أطول قد تصل إلى 20 عاماً أو أكثر، وفيما لم يتم التوصل بُعد لعلاج شافٍ من الشيخوخة المبكرة، إلا أنه جرى التوصل إلى بعض العلاجات الجديدة والأبحاث التي تمنح بعض الأمل في السيطرة على الأعراض والمضاعفات المتعلقة بالشيخوخة المُبكرة.
أبرز أنواع الشيخوخة
تقع عموماً على أنواعٍ متعددة وتُشير إلى حالات مُختلفةٍ في طبيعتها بغض النظر عن عامل العُمر فحسب، وفي ما يلي نوضح أبرز الأنواع المُتعارف عليها في ما يتعلق بالشيخوخة:
الشيخوخة الخلوية
ويُقصد بها تكوّن ما يُعرف بالخلايا الهرمة في جسم الإنسان، وهي التي قد تواجه صعوبة في أداء وظائفها، إذ تتمكن الخلايا العادية من أن تنقسم وتتكاثر لنحو 50 مرة، فيما قد يًصبح حمضها النووي غير قادرٍ على التكاثر على النحو الأفضل والأمثل عند حدٍ ما، وهذا ما يُفضي إلى ظهور الشيخوخة الخلوية.
وتجدر الإشارة في هذا السياق؛ إلى أن تعرّض خلايا الإنسان لعوامل وأسباب قد تُحّفز انقسامها وتكاثرها، بما في ذلك العوامل البيئة والجذور الحرّة التي تكون في طبيعتها عبارة عن ذرّات غير مستقرة يُمكنها أن تضر بالخلايا أو حتى تُدمّرها؛ قد يُسبب الشيخوخة الخلوية ويُعجّل بها.
الشيخوخة الأيضية
تقوم الخلايا الطبيعية بما يُعرف بعملية الأيض لتحويل الطعام الذي في جسم الإنسان إلى طاقة يستخدمها ويعتمد عليها، سوى أنها تنتج عن عمليات الأيض أيضاً مركبات ثانوية قد تُشكّل ضرراً للجسم، وتدفع نحو شيخوخته مع الوقت، وفي هذا الصدد؛ فإنه يعتقِد بعض العلماء المختصين بأن اتباع حمية غذائية محدّدة السعرات الحرارية قد يُخفّض من احتمالية الوصول إلى الشيخوخة الأيضية.
الشيخوخة الهرمونية
تحدث عند انخفاض قدرة جسم الإنسان على إفراز الهرمونات رفقة التقدّم في العمر، وفي حين تُمثّل الهرمونات أهمية بالغةً في تأدية العديد من وظائف الجسم بما يشمل كُلاً من بناء العضلات، وتقوية العظام، وتعزيز الخصائص الجنسية الثانوية، وغير ذلك؛ فإن انخفاض إفرازها قد يُفضي إلى أعراض أو حالات مختلفة بما في ذلك كُلاً من انخفاض كُتلة العظام وقوة العضلات، أو ظهور التجاعيد في البشرة، أو انخفاض الرغبة الجنسية أحياناً أيضاً.
الشيخوخة الزمنية
وهي التي تتحقق بسبب التقدّم في العمر بمعزلٍ عن أي أسباب أخرى، مما يُعد عاملاً في تغيّر طاقة الجسم وقوته واحتمالية ضعفه بطبيعة الحال بخلاف ما هو الحال في سن الشباب مثلاً.
الشيخوخة النفسية
يُمكن القول أن هنالك ما يُدعى بالعمر النفسي الذي يتأثر بما تتأثر به النفس، وبالتالي فقد يكون هذا العمر أصغر أو أكبر من العُمر الحقيقي والزمني للأشخاص في بعض الأحيان، وفي حال تعرض النفس بما قد يجعلها تبدو أكبر من العمر الحقيقي للأشخاص؛ فإن هذا ما قد يصل بالأشخاص مع الوقت والتراكمات إلى ما تُسمى بالشيخوخة النفسية.
الشيخوخة الاجتماعية
يُعبّر هذا النوع من الأنواع عمّا يتعلق بسلوكيات وعادات أو تصرفات الأشخاص وأدوارهم في المجتمع التي ترافقهم في سنٍ متقدمٍ، جنباً إلى جنبٍ مع إمكانية إطلاق هذه التسمية في بعض الأحيان على انتهاج هذه السلوكيات أحياناً من قِبل أشخاص من فئةٍ عمرية ليست متقدمة في السن وإنّما قد يسلكون سلوكيات أو يتصرفون تصرفاتٍ تُعبّر عن شخصياتهم في حين أنها ذات صفةٍ مرتبطة بالأشخاص المتقدمين في العمر.
أبرز علامات أو أعراضها
يرتبط هذا المرض ببعض العلامات أو الإشارات أو الأعراض التي قد تدلل عليها أو على الوصول لها، ويُمكن القول أنها تتبدّى أبرز هذه العلامات أو الأعراض بالتالية:
- فقدان الوزن بسبب انخفاض الأنسجة العضلية، وغالباً ما يظهر ذلك بِدءاً من عمر 55 للرجال، وعمر 65 للنساء
- حدوث ترهلات وتجعد الجلد
- ظهور الشيب في الشعر
- انخفاض في حدة البصر والقدرة على رؤية المحيط
- انخفاض في القدرة على السمع
- سهولة حدوث كسور العظام
- بُطئ ومحدودية الحركة أحياناً
- حدوث انحناء في الظهر
- انخفاض قليل في الطول إذ تُصبح عظام العمود الفقري رقيقة وأقل ارتفاعاً
- حدوث تغيرات في المفاصل مثل زيادة في تصلُّبها أو الإصابة بالتهاب المفاصل
- الحساسية تجاه الحرارة أو البرودة
- انخفاض في مستويات الطاقة
- احتمالية الإصابة بالإمساك أو سلس البول
- احتمالية حدوث ضعف بسيط في الذَّاكرة أو تراجع بسيط القدرة على التفكير
- انخفاض في القدرة على التوازن والتنسيق أحياناً
- زيادة فرصة الإصابة بالعدوى أحياناً
أهم النصائح للوقاية من الشيخوخة أو تأخيرها
على الرغم من حتمية الإصابة بالشيخوخة مع التقدّم في العمر؛ فإنه يُمكن الوقاية من الوصول إلى الشيخوخة مُبكّراً أو حتى تأخير الدخول إلى مرحلة الشيخوخة حتى مع التقدّم في العمر، وفي هذا السياق؛ فإننا نستعرض تالياً بعضاً من أهم النصائح التي قد تساعد على تحقيق هذا الأمر:
- تناول أغذية صحية مثل الفواكه والخضروات، مع التقليل من مصادر الدهون المشبعة، والسكريات المضافة
- الإقلاع عن التدخين أو التقليل منه قدر الإمكان
- النوم جيدًا لعدد ساعات كافٍ (7-8 ساعات يومياً)
- ممارسة التمارين الرياضية لنحو 30 دقيقة من التمارين متوسطة إلى عالية الشدة، 5 مرات أسبوعياً، أو قدر الاستطاعة بغض النظر عن الالتزام بمدةٍ مُعيّنة وبتأدية الرياضة في أوقاتٍ معيّنة من الأسبوع
- الحفاظ على علاقات صحية مع أفراد العائلة والأصدقاء، والتواصل معهم باستمرار
- محاولة المشاركة في المجتمع بكافة الطرق، مثلًا من خلال المشاركة في الدورات التعليمية
بهذا نكون قد قدّمنا لك في هذا المقال؛ معلومات وافية ومتكاملة عن الشيخوخة بما يشمل التعريف عنها والحديث عن أبرز أسبابها، جنباً إلى جنبٍ مع الحديث عن الشيخوخة المبكرة أيضاً، كما وضّحنا أبرز أنواعها وسردنا أبرز علاماتها أو أعراضها، إضافةً إلى استعراض أهم النصائح للوقاية من الشيخوخة أو تأخيرها أيضاً.
إذا كنت ترغب بالحصول على المزيد من المعلومات، وقراءة العديد من المقالات الأخرى المهمّة والشيّقة؛ فإننا ندعوك لتفقّد مدوّنة بيّوت السعودية والبقاء على اطّلاعٍ بكُلِ جديدٍ أولاً بأول.