لا شك أن اختراع الساعة أحد أعظم الاختراعات في التاريخ البشري وأكثرها تعقيداً، إذ تُساعد الناس في حساب الوقت وتنظيم شؤون حياتهم، ولعلّ اللافت في اختراع الساعة أنه لم يأتي جُزافاً وإنّما ارتبط بشكلٍ دقيقٍ بالنظام الفلكي واعتماد على عناصره في حسابات الوقت الذي تُعبّر عنه الساعة بدقّاتها وتحديد الساعة كم دقيقة وكم ساعة وكم ثانية تكون، إذ تعتمد الساعة في دورانها على دوران الأرض حول محورها، وهو الأمر الذي ينجم عنه مرور الوقت وتعاقب الليل والنهار والأيام.
وفي حين تعمل الساعة بنسقٍ منتظم دون أن تتغير سرعتها؛ فإننا قد نشعر أحياناً بمضي الوقت سريعاً أو تبآطه قليلاً، الأمر الذي قد يعزيه البعض إلى تغيّر المزاج العام للأشخاص بين يومٍ وآخر دون وجود سبب علمي ذو صلة بسرعة أو تبآطؤ مرور الوقت، بينما يردّه آخرون لتغيّر العصر واختلاف سرعة الوقت فيه، وفيما يسود شعوراً عاماً بسرعة انقضاء الوقت والساعات في أيامنا هذه، فلقد خرجت أصوات تنادي بتقليص المدة المتعارف عليها والمعمول بها للساعة الواحدة، رابطين الأمر بادعائهم أنها آراء العلماء في هذا الشأن عطفاً على ما ورد من أخبارٍ في هذا الإطار.
وبناءً على ذلك؛ فإننا نوضح الأمر بشكلٍ جليّ في هذا المقال عبر إزالة الغموض عنه وتبيان حقيقته بعد أن نسرد نبذة عن كيفية حساب الساعة في التوقيت العالمي وخلفية تاريخية عن الأحداث المشابهة، جنباً إلى جنبٍ مع الحديث عن تباطؤ الساعة وتسارعها وأثر ذلك على ضبط التوقيت العالمي وضبط ساعاتنا الخاصة.
كيفية حساب التوقيت العالمي
لقد اعتمد البشر تاريخياً على علوم الفلك لحساب الوقت ووظفوا هذه العلوم في حسابهم لدقّات الساعة منذ اختراعها قبل آلاف السنين، ومع تطور هذه العلوم؛ فلقد غدى ضبط التوقيت العالمي المُنسق UTC مرتبطاً بقياس سرعة دوران الأرض التي تُحسب بالساعات الذرية فائقة الدقة وهي التي تم اختراعها في ستينيات القرن الماضي لتكون قادرة على حساب كم الساعة الآن وفقاً للمعطيات والمؤشرات الكونية والفلكية والأرضية، وبناءً على ذلك فإنها تزيد سرعة التوقيت العالمي أو تقل تِبعاً لسرعة دوران الأرض حول محورها،
وفي حين أن السائد في العقود الأخيرة من عمر الحياة على كوكب الأرض هو تباطؤ سرعة دوران الأرض المحورية استناداً إلى تأثير حركة المد والجزر، وبالتالي ازدياد طول اليوم بنسبةٍ ضئيلة جداً ولكنها منتظمة؛ فقد يحدث ما هو خلاف ذلك بحيث تزداد سرعة دوران الأرض حول محورها نتيجةً لظواهر جيوفيزيائية أو جغرافية فيزيائية في باطن الأرض، الأمر الذي يُفضي إلى تضائل أو تناقص وقت اليوم الواحد بنسبة بسيطة للغاية أيضاً ولا تعدو كونها أجزاء من ثانية واحدة.
في ما يلي؛ نستعرض أبرز الحالات في العصر الحديث التي شهدت إطالة ساعة التوقيت العالمي أو تقليصها، رفقة توضيح الأسباب المودية إلى كُلٍ من الحالتين:
تباطؤ ساعة التوقيت العالمي
رصدت الساعة الذرية التي تم اختراعها وبدء استخدامها في حساب التوقيت العالمي منذ ستينات القرن الماضي تباطؤاً متكرراً في سرعة دوران الأرض حول محورها وذلك في 27 مرة متفرقة في الفترة ما بين سبعينيات القرن الماضي حتى العام 2016م وفقاً للجهات التوثيقية والبحثية المعنية في هذا الشأن، وبناءً على ذلك فلقد أضاف العلماء المختصون ما يُعرف بالثانية الكبيسة إلى ساعة التوقيت العالمي في كل مرة من هذه المرات التي رصدت فيها الساعة الذرية تباطؤاً لسرعة دوران الأرض، وفي حين أن الهدف من الأمر معادلة ساعة التوقيت العالمي مع سرعة دوران الأرض؛ فلقد كانت هذه الزيادات مُطابقة لقدر أو مدى التباطؤ الحاصل،
وتجدر الإشارة هنا إلى تطبيق الزيادة عبر انتظار ثانية إضافية على الوقت الإجمالي لليوم الذي ستتم فيه إضافة الثانية؛ فبدلاً من الانتقال إلى اليوم الذي يليه والدخول إلى وقت منتصف الليل بعد الساعة الحادية عشرة و59 دقيقة و59 ثانية؛ يجري الدخول في منتصف الليل عقب الساعة الحادية عشرة و59 دقيقة و60 ثانية، بمعنى أنها تمت إضافة ثانية واحدة إلى التوقيت العالمي وليس التغيير في بُنية ونظام حساب ساعة الوقت عبر تغيّر مدة الدقيقة إلى 61 ثانية بشكلٍ دائم.
تسارع ساعة التوقيت العالمي
منذ العام 2016م تغيّر الأمر إلى ملاحظة تسارع غير معهود في سرعة دوران الأرض حول محورها، مما أفضى إلى تفكير العلماء المختصين في إنقاص ثانية كبيسة من التوقيت العالمي الذي يُحسب بواسطة الساعات الذرية حالياً، وهذا لا يعني عودةً على بدء؛ وجوب تقديم ساعاتنا الشخصية أو المنزلية أو المكتبية ثانية واحدة، بل إن الأمر متعلق بالساعات الذرية العالمية فحسب، كما أن إنقاص الثانية الكبيسة يكون بالانتقال في يوم محدد من السنة إلى اليوم الذي يليه قبل بثانية واحدة من انتهاء اليوم المحدد، وبينما قد تتطلب سرعة دوران الأرض الآخذة بالتسارع حول محورها على نحو غير مسبوق منذ نحو أكثر من 50 عاماً؛
فإن الهدف من هذا الإجراء يتمثل بلحاق الساعات الذرية التي تحسب التوقيت العالمي في الأرض بسرعة دوران الأرض حول محورها والاتساق معها لما يحمله الدوران من ارتباطات وما له من انعكاساتٍ على مرور الوقت وتعاقبه على الكرة الأرضية والعالم، وفي هذا السياق فإنه لم يتم الجزم -كما أشاعت بعض الأصوات والجهات- بضرورة ولزام إنقاص الثانية الكبيسة من التوقيت العالمي بعد وإنما ما يزال الأمر قيد البحث والدراسة والمراقبة حتى ثبات وجوبه وضرورته.
الساعات الذرية ودورها في حساب التوقيت العالمي
كما يقول المثل الشائع أن لكل زمنٍ دولة ورجال؛ فإنه لكل زمن علماء وعتاد أيضاً، وفيما جرى اعتماد طرق متعددة ومختلفة لحساب الوقت على مر الزمان بما في ذلك الاعتماد على عناصر الفلك والنجوم والقمر والشمس وأيضاً حركة الأرض ودورانها كذلك؛ فلقد توصل العلم في العصور الحديثة إلى اختراع الساعات الذرية التي يُمكن التعريف عنها بأنها ساعات دقيقة للغاية يبلغ عددها نحو 400 ساعة وتتوزع في عموم أرجاء الأرض لتقيس الزمن بدقةٍ فائقة اعتماداً على العديد من العناصر المؤثرة في حركة دوران الأرض حول محورها بوصفها وحدة القياس الأساسية لحساب الوقت على كوكب الأرض، وتعتمد الساعات الذرية في هذا الشأن المبدأ الذي يُعرف باسم “ثبات الزخم” أو “كمية الحركة الزاوية”؛
وهو الذي يُمكن التعبير عنه بإيجازٍ على أنه العلاقة التي تربط العلاقة بين اليابسة والمحيطات وباطن الأرض والتفاعلات الجاذبية الخارجية والغلاف الجوي والقمر وحركة المد والجزر وما سوى ذلك من العناصر الأخرى ذات الصلة؛ حيث تُعد هذه العناصر أو العوامل مجتمعةً هي المسؤولة عن التأثير في مدى سرعة دوران الأرض حول محورها كما أنها هي المساعدة في قياس هذه السرعة بناءً على ما لهذه العناصر من سمات وما يطرأ عليها من حالاتٍ وتغيّرات.
أسباب تغيّر التوقيت العالمي
يُعد التغيّر لتوقيت العالمي سواءً بالزيادة أو النقصان؛ ناجماً بشكلٍ أساسيٍ ومباشرٍ عن حركة دوران الأرض حول نفسها كما بات واضحاً؛ وفي حين ما تزال الأسباب الحقيقة وراء تسارع الوقت أو تباطؤه غير معروفة على وجهٍ دقيق حتى الآن، وأن الأمر لا يستقر على حالٍ واحدٍ إذ قد تتباطئ حركة دوران الأرض حول محورها أو تتسارع منُعكسة على التوقيت الأرضي العالمي؛ فيُخمن العلماء بعض الأسباب للأمر وهي التي تتبدّى أبرزها بكُلٍ من توزع الزخم الزاوي وعدم تجانس عناصره من حيث الكتلة والشكل تِبعاً للتغيرات التي قد تطرأ على هذه العناصر بما فيها كُلاً من اليابسة والمحيطات والغلاف الجوي وما إلى هنالك،
ذلك إلى جانب أثر التغيّر المناخي والاحتباس الحراري الذي تنعكس أبرز أوجهه على الأمر عبر ذوبان الجليد وبالأخص في القطبين المتجمدين مما يغيّر في المعادلة الأرضية أيضاً، ضِف إلى ذلك تأثيرات الحركة المُعقّدة للمعادن المنصهرة في باطن الأرض على دوران الأرض حول محورها كذلك، ناهيك عن مدى قرب أو بُعد القمر من الأرض، ووتيرة حركة المد والجزر في البحار والمحيطات والمسطحات المائية أيضاً، وكذلك تحرك الكتل الأرضية التي لها دورٌ مؤثر في هذا الصدد أيضاً.
وقت اليوم ومدى تأثير تغيّره في الحياة اليومية
تشير الدراسات العلمية إلى أن مدة اليوم كانت تعادل 23 ساعة ونصف الساعة قبل نحو 70 مليون سنة، بمعنى أن دوران الأرض حول محورها كان أسرع بكثيرٍ مما هو عليه اليوم، إلا أن التفاعل الجذبي بين القمر وحركة المد والجزر؛ أدى إلى إبطاء هذا الدوران وبالتالي زيادة مدة اليوم وصولاً إلى 24 ساعة، وهو الأمر الذي يؤكد العلماء حوله أن اليوم الطبيعي الذي نعيشه في حياتنا الحالية قد لا يكون 24 ساعة وبالتمام والكامل وإنما أكثر أو أقل قليلاً بشكلٍ متغيّر،
وفي حين أن معدل دوران الأرض حول محورها غير ثابت وأنه يزيد وينقص تِبعاً للعديد من العوامل والمؤثرات التي تُسهم في ذلك؛ فإننا نرقب ما يصدر من تخميناتٍ وأبحاثٍ علمية عن أسرع أو أقصر يوم بالسنة، وأبطئ أو أطول يوم بالسنة بين الحين والآخر ومن سنةٍ لأخرى، وإن التناقص المتوقع في وقت اليوم حالياً يُقدّر بحسب العلماء والمختصين بنحو 1.59 ملي ثانية من سرعة دوران الأرض وهو قدر بسيط وقليل للغاية،
ما يعني أنه لا يعود بتأثيرات محسوسة ومباشرة على الكائنات الحية وفي مقدمتها الإنسان على الأرض، وإنما قد تتبدّى تأثيرات التناقص أو التزايد في وقت اليوم وحتى إن كان في منتهى الضآلة والبساطة؛ فإنه قد يأتي بتأثيرات على عناصر مثل أجهزة الملاحة الفضائية والجوية، وشبكات الإنترنت وشبكات الـGPS، والمستشفيات، وأسواق الأوراق المالية، والمختبرات العلمية البحثية وما سوى ذلك من القطاعات التي تُعد الملي ثانية مهمّة جداً فيها، وبالتالي فإنها تحتاج إلى ضبط أوقاتها بناءً على تغيرات التوقيت العالمي الذي يتأثر بحركة وسرعة دوران الأرض حول محورها.
بهذا نكون قد قدّمنا لك في هذا المقال؛
معلومات وافية ومتكاملة عن تغيّر وقت اليوم وما يُشاع ويتم تناقله من أخبار وأنباء عن الحاجة إلى تقليص مدة الدقيقة إلى 59 ثانية وهو الحديث البعيد عن الصحة والدقة التي يُقصد بها تغيير ضبط ساعاتنا الخاصة كما بيّنا في هذا المقال، كما أننا وضحنا في السياق؛ كيفية حساب التوقيت العالمي، واستعرضنا حالات في ما يتعلق بتباطؤ ساعة التوقيت العالمي أو تسارعه وأشرنا إلى الفرق بين كُلٍ من الحالتين، فضلاً عن سرد نبذةٍ عن الساعات الذرية وكيفية حساب التوقيت العالمي، جنباً إلى جنبٍ مع إيراد بعضٍ من أبرز أسباب تغيّر التوقيت العالمي، والحديث عن وقت اليوم ومدى تأثير تغيّره في الحياة اليومية.
إليك هذا المقال إلى كنت تود التعرّف أكثر عن ساعة الأرض، وفي حال أنك تفكر مراراً وتكراراً في وقتك خلال اليوم؛ فإننا ننصحك بقراءة هذا المقال عن أهمية تنظيم الوقت وأثره على حياتنا، أما إذا كنت ترغب بالحصول على المزيد من المعلومات وقراءة العديد من المقالات الأخرى المهمّة والشيّقة؛ فإننا ندعوك لتفقّد مدوّنة بيّوت السعودية والبقاء على اطّلاع بكُلِ جديدٍ أولاً بأول.