عادةً ما تحتاج المهن والأعمال المختلفة وخصوصاً في قطاع التجارة والإنتاج؛ إلى مهنٍ مساندة تساعدها إلى إتمام وظائفها ومسؤولياتها على أتم نحوٍ وأفضل حال، إذ قد لا تقع بعض جوانب تنفيذ الأعمال في دائرة ونطاق اختصاصات أو براعة العاملين في بعض المهن والقطاعات إلا أنها تتقاطع وتتكامل مهارات ومعارف وخبرات مهنيين وعاملين في مجالٍ أو تخصص معيّن مع ما لدى مهنيين ومختصين وعاملين في مجال أو قطاع آخر، وفيما قد يتراود إلى مسامعك بين الحين والآخر الحديث عن ما يُعرف باللوجستيات أو الخدمات اللوجستية عادةً؛ فإننا نُعرّف في هذا المقال بإيجازٍ وافٍ ماهي الخدمات وما أهم وأبرز أنواعها أو فئاتها، كما نستعرض أهدافها وفوائدها، ونوضح حال العمل اللوجستي في المملكة العربية السعودية أيضاً.
معنى الخدمات اللوجستية
لعلّك تسائلت في غير مرّة عن ماهي الخدمات اللوجستية وما المقصود بها أو منها؛ والحقيقة أنها بينما تختلف وتتعدد تعريفات الخدمات من جهة لأخرى ومن قطاعٍ لآخر؛ فإن مفهوم اللوجستية الأرجح والأكثر وضوحاً هو فن السوقيات وعلم إدارة تدفق البضائع وموارد الطاقة والمعلومات والموارد الأخرى كالمنتجات، والخدمات، وذلك بدءً من حيّز الإنتاج وصولاً إلى حيّز الاستهلاك، ويُمكن أن يُضاف إلى هذه العناصر أيضاً الطاقات أو الموارد البشرية، كما تُعرف الخدمات اللوجستية على أنها عمليات التخطيط والتنفيذ والتحكم بالتدفق والتخزين الضروري للبضائع والخدمات والمعلومات من منطقة أو موقع المنشأ إلى نقطة أو موقع الاستهلاك، بما من شأنه تلبية احتياجات ومتطلبات المستهلكين أو المستخدمين أو المستقبلين.
ولعلّ تعريف مفهوم اللوجستية هو ما يقودنا إلى سرد نبذة عن أصل الكلمة وبدء استخدامها، إذ يعود أصل كلمة لوجستية إلى كلمة “لوجوس” الإغريقية أو “اللاتينية” وهي التي تُشير إلى مجموعةٍ من المصطلحات أو المفاهيم المتباينة والمتقاربة بما فيها كُلاً من “النسبة” و”الحساب” و”الأسباب” و”الخطاب”، وفيما جرى تحوير المعنى لاحقاً ليصبح بمعنى الإمداد أو الموارد؛ فإن اللافت في الأمر هو أن استخدام مفهوم الخدمات اللوجستية كان قد بدء حديثاً منحصراً في التعبير عن حاجة الجيوش والقوات العسكرية للتزوّد بالإمدادات أثناء تحركاتهم وتنقلاتهم من من قواعدهم العسكرية إلى المواقع الأخرى، ولذا فإنه يُعرف معجم أوكسفورد الخدمات أو العمليات اللوجستية بكونها فرع من العلوم العسكرية تختص بتدبير ونقل والحفاظ على المواد، الأفراد والوسائط، وذلك تِبعاً لاعتبار التحكم في إيصال الموارد سواءً التي تتمثل في إمدادات الذخيرة، أو شبكات الاتصال، أو الوقود، جنباً إلى جنبٍ مع الموارد الغذائية أو التموينية بطبيعة الحال؛ هو بمثابةٍ أمر حاسم للمعارك في العلوم العسكرية وتصوراتها ومفاهيمها.
إلا أنها تجدر الإشارة مرة أخرى في هذا الصدد؛ أنه لم يقتصر مفهوم أو تعريف اللوجستية وحالها على القطاع العسكري في يومنا الحالي، بل الحال أن المفهوم أصبح غالباً ما يستخدم على نطاقٍ أكبر في ما يخص الشؤون الاقتصادية والتجارية وما سوى ذلك من المجالات والقطاعات الأخرى التي تضم مهناً وأعمالاً تتطلب دعماً ومساندةً أو معاونة أو تشاركاً من مهنٍ وأعمالٍ أخرى تقع في نطاقٍ آخر ومختلف في تخصصه أو مجاله.
فئات أو أنظمة الخدمات اللوجستية
تقع الخدمات اللوجستية على أوجهٍ متعددةٍ وتُصنّف على أساس أنظمةٍ مختلفة تِبعاً للإطار الذي تنشط وتُفعل فيه بالخدمات اللوجستية، وعطفاً على طبيعة الحاجة لها أو الغرض منها، وفي ما يلي نستعرض بعضاً من أبرز فئات أو أنظمة الخدمات:
اللوجستية الإدارية
ويُقصد بها التخطيط لتدفق البضائع وتخزينها بشكل مرن وفعّال من نقطة الإنتاج إلى نقطة الاستهلاك بُغية كسب رضا المستهلك، والتحكم بما سبق وتنفيذه على ما يرام، وبصيغةٍ أخرى؛ فإنه يُمكن التعبير عن اللوجستية الإدارية بأنها كل ما يتعلق بشحن أو نقل وتفريغ وتخزين البضائع وتوصيلها من مكان منشأها إلى مكان العميل، وذلك عن طريق البر أو البحر أو الجو، مع الحرص على عدم تعرض البضائع أو المنتجات للتلف بأي شكلٍ من الأشكال.
لوجستية الطرف الثالث أو PL3
هي التي تكون فيها الجهة القائمة بالخدمات اللوجستية بمثابة وسيطٍ بين شركةٍ وأخرى أو جهة معيّنة وأخرى، بحيث تنقل البضائع أو الخدمات أو الأشخاص من مكانٍ إلى آخر.
أو أن تضفي إجراءً جديداً أو قيمةً جديدةً على عملٍ ما بما في ذلك كُلاً من إجراءات البحث أو المتابعة أو التدقيق أو التصميم أو التغليف أو الإرشاد أو التحسين وما إلى ذلك من الإجراءات المشابهة، وتسمى لوجستية الطرف الثالث بهذه الحالة بمسمى “مطوّر الخدمات”.
أو أن تتولى الجهة التي تُقدم اللوجستية؛ عمليات جهة أو شركة أخرى سواءً كانت إنتاجية أو إجرائية أو غير ذلك دون إضفاء تطويرٍ على عملياتها، وهذا ما يُعرف باسم عمليات “محوّر الزبائن أو العملاء” في لوجستية الطرف الثالث.
كما تشمل أعمال لوجستية الطرف الثالث؛ تولي الجهة اللوجستية لعمليات جهة أو شركة أخرى مع القيام بالتطوير عليها أيضاً، وهذا ما يُسمى اصطلاحاً بـ”مطوّر الزبون في الإطار اللوجستي.
لوجستية إدارة المستودعات
وهي التي تتمثّل لوجستياً بالتنبؤ بالخطط الأسبوعية وتوقعها ااعتماداً على الإحصائيات والمؤشرات والدلالات وما سوى ذلك من العوامل الأخرى ذات الصلة.
أنظمة التحكم المستودعي
ويُقصد بها اللوجستية التي تختص بالإشراف على التحركات اللوجستية الحقيقة بشكل مباشر للقيام بتنفيذ المهام اللوجستية بأكمل وجه ممكن.
لوجستية الأعمال
وهي التي تتجلى بإنشاء الشركات عموماً لقسمٍ خاص بتأدية المهام اللوجستية بداخلها ليكون متكاملاً مع أداء الشركة لمهامها ومسؤولياتها العامة، ومُعتَمداً عليه في ما يخص اللوجستية دون الحاجة لاستشارة جهة خارجية أو التعاون معها.
لوجستية الإنتاج
تختص هذه الأنظمة اللوجستية أو الفئة اللوجستية بتأمين كل ما بتعلق بالموارد الأساسية لتسيير عمليات الإنتاج وكذلك توفير السُبل والوسائل المطلوبة والمناسبة لتوزيع المنتجات بعد الانتهاء من تنفيذها أو تصنيعها، وذلك على أفضل ما يُرام، كما كذلك تهتم لوجستية الإنتاج بطرق تصميم المصانع الداخلية لتوفير تدفق فعال لكل من العمّال، البضائع، المعدّات، والمعلومات لتضمن أعلى مستوى من الإنتاجية بأقل التكاليف، وذلك جنباً إلى جنبٍ مع الالتفات إلى تحديد مدى القدرات اللوجستية لاستيعاب كمية الإنتاج وطول خطوط الإنتاج.
لوجستية الطوارئ
هو مصطلح يستخدم من قبل الخدمات اللوجستية (الإمداد والنقل) وسلسلة التوريد، والصناعات التحويلية للدلالة على المواعيد الزمنية المحددة والحرجة عبر وسائط النقل المستخدمة لنقل البضائع أو الأشياء بسرعة في حالة الطوارئ والأسباب في تجنيد الطوارئ في اللوجستية يمكن أن تكون تأخير الإنتاج فعليا أو التأخير المتوقع في الإنتاج أو الحاجة الملحة لمعدات متخصصة لمنع مثل هذه الأحداث مثل بعض المشاكل التي تحدث أثناء هبوط طائرات (المعروف أيضا باسم “الطائرات على الأرض”، وتأخر السفن، أو فشل الاتصالات السلكية واللاسلكية. ويتم الحصول عادة في مثل تلك الحالات على طوارئ اللوجستية المتخصصة التي تقدمها الشركات المانحة والمتخصصة.
أبرز أنواع واختصاصات اللوجستية
فيما تشمل اللوجستية العديد من الأنواع والاختصاصات أو الأقسام التي تختلف باختلاف طبيعة المؤسسة أو الجهة التي تطلبها واختلاف مجال عملها، وتِبعاً كذلك لما تتخصص به الشركة أو الجهة التي تُقدّم هذه الخدمات سواءً كانت تختص بلوجستية البيانات أو الإنتاج أو النقل أو الاستيراد أو التصدير أو التدقيق أو الأيدي العاملة، أو الأجهزة والمعدات أو الاتصالات أو ما سوى ذلك من العناصر اللوجستية الأخرى، إلا أنها تبرز بعض الاختصاصات اللوجستية أو أنواع الخدمات أكثر من غيرها وتطفو على السطح كأكثر الخدمات شيوعاً، وتتمثّل هذه الأنواع أو الاختصاصات بكُلٍ من التالية:
- الخدمات اللوجستية المتكاملة
- خدمات التخزين
- خدمات الشحن
- وخدمات النقل
- خدمات التبريد
- خدمات الإنتاج
- وخدمات الاستيراد والتصدير
- خدمات التغليف
- خدمات الاتصالات
- وخدمات المعدات
- خدمات البيانات والتدقيق
- خدمات الموارد البشرية
أهم فوائد الخدمات اللوجستية وأبرز ملامح أهميتها
يُمكن القول أنه في الشركات والمؤسسات أو الجهات التي لا تشتمل على قسمٍ خاصٍ للخدمات اللوجستية؛ قد يواجه سير العمل والإجراءات التنفيذية والإنتاجية فيه عوائق متعددة تُحتم على هذه الجهات الاعتماد على شركات مساندة أو جهات أخرى تدعم بعض الجوانب في تسيير شؤون العمل، وهذه ما تُدعى بشركات أو مؤسسات الخدمات اللوجستية، ومن هنا فإنها تجدر الإشارة إلى ما تحققه الخدمات اللوجستية من فوائد ومكتسبات في هذا السياق وهي التي نستعرض أبرزها تالياً:
- توسيع الأعمال ونموها
- توفير قيمة أفضل للعملاء
- تعزيز الكفاءة وخفض النفقات
- تلبية طلبات العملاء بشكل أفضل
- إتمام اختصاصات ومهام الجهات العملية على النحو الأفضل من جوانبها كافّة
- تعزيز إدارة المخزون
- تقليل زمن العبور
- تحسين سلسلة التوريد
- منظور أفضل لسلسلة الإمداد
- تقليل المخاطر
- منح ميزة تنافسية أعلى وأكبر
- تحسين عادات السوق وتكرار الأعمال
- رفع جود التغذية الراجعة أو آراء العملاء وكذلك الموظفين
أبرز أهداف العمليات اللوجستية
تضع الجهات العاملة في حقل تقديم اللوجستية حُزمة من الأهداف صوب أعينها للتأكد من سير عملها على المضمار الصحيح وأنها من الكفاءة والفاعلية بمكان، كما ترنو الجهات التي تعتمد على الاستفادة من مقدّمي الخدمات اللوجستية في الجهة المقابلة؛ إلى تحقيق أهداف عامّة تتعلق بسير أعمالها على نحو سلس وصائب ومرن أيضاً، وفي هذا الصدد؛ فإننا نسرد تالياً بعضاً من أبرز أهداف العمليات اللوجستية:
- تحسين التدفق المادي من المنبع إلى المصب، وهو ما يُفضي إلى تعريف برامج الشراء والإنتاج، وبرمجة الشحنات، وتنظيم خدمات ما بعد البيع وتوزيع قطع الغيار، واستمرارية العمليات من خلال إنشاء خطة صيانة
- تحديد الإجراءات التي تتحكم في التكاليف اللوجستية للخدمات التي اختارت الشركة تطويرها
- تقديم المشورة للجهات المستفيدة من الخدمات اللوجستية من أجل تمكينها من اختيار العمليات التي ينبغي أن تضمنها الشركة أو الجهة بنفسها والتي لها مصلحة في تفويضها بالتعاقد مع شركات متخصصة
- الإسهام بشكل كبير في تحقيق الاستفادة المثلى من الاستثمارات أو من رأس مال الشركة
- مساعدة المنظمة في السيطرة على التعقيد، وعدم اليقين من الآجال والتأخير الناتج عن تعدد المنتجات والأسواق
- تحديث مستمر لمعرفة الأثر الذي يكون اللوجستية على تكاليف تشغيل العملاء والمنظم.
- منح الجهة المستفيدة من الخدمات اللوجستية ميزة تنافسية من خلال تقديم خدمات لوجستية أفضل وأكثر ملائمة لعملائها
الخدمات اللوجستية في السعودية
تولي المملكة العربية السعودية اهتماماً بالغاً بقطاع الخدمات اللوجستية آخذةً في الاعتبار العديد من العوامل التي تحثها نحو ذلك، بما يشمل ما تتمتع به المملكة من مكانة اقتصادية كبيرةٍ في المنطقة والعالم وخصوصاً في ظل موقع السعودية الآتي بين بحرين من أهم البحور في العالم، ومجيء موقعها في منطقة تشهد نشاطاً في حركة النقل وتُعد منفذاً وممراً مهماً في العالم، ناهيك عن حركة الصادرات من السعودية والواردات إليها وما تضمه من شركات عملاقة وموارد بشرية كبيرة أيضاً، وعلى ضوء ذلك؛ فلقد ألصقت السعودية الخدمات اللوجستية بشكلٍ بارز باسم وزارة النقل في المملكة لتكون باسم وزارة النقل والخدمات اللوجستية، كما أعدّت استراتيجية وطنية للنقل والخدمات اللوجستية في قطاع اللوجستية، ووضعت نظاماً للخدمات والأنشطة اللوجستية أيضاً، كما أطلقت برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، وحفّزت إثراء المملكة بالتخصص في قطاع اللوجستية وإنشاء الشركات أو المؤسسات المختصة بذلك وتمكين الأفراد المهتمين بالعمل في هذا القطاع، وهو ما يظهر جلياً في إنشاء المملكة الاكاديمية السعودية اللوجستية التي تسعى لتحقيق الريادة في دعم وتأهيل الكوادر البشرية المتخصصة في النقل واللوجستية.
برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية حفّزت إثراء المملكة بالتخصص في قطاع اللوجستية وإنشاء الشركات أو المؤسسات المختصة بذلك وتمكين الأفراد المهتمين بالعمل في هذا القطاع، وهو ما يظهر جلياً في إنشاء المملكة الاكاديمية السعودية اللوجستية التي تسعى لتحقيق الريادة في دعم وتأهيل الكوادر البشرية المتخصصة في النقل واللوجستية.
بهذا نكون قد قدّمنا لك في هذا المقال؛ معلومات وافية ومتكاملة عن قطاع اللوجستية بما يشمل توضيح ماهي الخدمات اللوجستية واستعراض فئات أو أنظمة الخدمات اللوجستية، جنباً إلى جنبٍ مع سرد أبرز أنواع واختصاصات اللوجستية، وكذلك التعريج على أهم فوائد الخدمات اللوجستية، وتبيان أهمية اللوجستية وأبرز أهدافها أو ملامح الغاية منها، كما تحدثنا بإيجازٍ وافٍ عن حال اللوجستية في السعودية أيضاً.
إذا كنت ترغب بالحصول على المزيد من المعلومات وقراءة العديد من المقالات الأخرى المهمّة والشيٌّقة؛ فإننا ندعوك لتفقّد مدوّنة بيّوت السعودية والبقاء على اطّلاعٍ بكُلِ جديدٍ أولاً بأول.