لا شك في مساهمة التعليم أيّما إسهام في نهضة وارتقاء المجتمعات والدول على مر التاريخ، إلى جانب ظهور آثاره ونوافعه جليّة في مختلف القطاعات والمجالات.
وفي هذا السياق؛ فلم تنأ الدولة السعودية الحديثة بنفسها عن إرساء قواعد العلم الوثيقة وبسط أُسس التعليم المتينة في الدولة، مستندةً بذلك لما تحفل به المنطقة والجزيرة العربية من تاريخ وضآءٍ ومشرّفٍ في هذا الصدد، ومتأهبةً ليكون التعليم في السعودية منطلقاً لصنع الكفاءات وبناء حضارة حديثة ومشرقة متكاملة الأركان.
في هذا المقال؛ نتتبع مراحل تطور التعليم في المملكة العربية السعودية بدءاً من لمحة تاريخية تقودنا إلى تأسيس الدولة الحديثة في مطلع القرن الماضي، وصولاً إلى الوقوف على أبرز اخبار التعليم اليوم في السعودية، وذلك مروراً بالخوض في الحديث عن أهم المعلومات عن نظام التعليم في السعودية وإيضاح المراحل الدراسية في السعودية مع سرد أبرز التفاصيل عن كلٍ منها.
مراحل تطور التعليم في المملكة العربية السعودية
لطالما حظي التعليم في السعودية بأهمية قصوى ومكانة رفيعة وموقّرة على مر السنوات، لذا فإننا نسرد تالياً تسلسل زمني نستعرض بناءً عليه؛ حال التعليم في المملكة مع توالي المراحل الزمنية بدءاً من تاريخ ما قبل التأسيس، مروراً بنشأة الدولة السعودية الحديثة، وصولاً إلى تطور التعليم في المملكة العربية السعودية حتى يومنا الحالي:
تاريخ التعليم في السعودية
لقد ورثت الدولة السعودية الحديثة إرثاً عظيماً وهائلاً من منابع ومراجع العلم، وملامح الحرص عليه، امتداداً من الحضارة العربية الإسلامية وما سبقها ومرّ عبرها من تعاقب الدول في شبه الجزيرة العربية وما جاءت به من تعبئة حضارية وزخمٍ ثقافي مهم وغني، ذلك جنباً إلى جنب مع توارث المجتمع السعودي لعادة وسلوك المواظبة على التعلم والتعليم في شبه الجزيرة العربية تاريخياً، كما دأبت نخبة المجتمع السعودي بالتآلف مع الدولة السعودية الحديثة منذ تأسيسها في العام 1319هـ / 1902م؛ على تنمية وتعزيز التعليم في السعودية بوصفة ضرورةً اجتماعية وحضارية، إضافةً لكونه قيمة إنسانية هامّة، ووصيةً دينية جليلةً، وعاملاً أساسياً ورئيسياً في بناء الأمة والدولة ونهضتهما.
نشأة نظام التعليم في السعودية
كانت المنظومة التعليمية لدى تأسيس الدولة السعودية الحديثة معتمدةً على ثلاث مراحل تبدأ بالتعليم في المساجد كمرحلة تأسيسية، من ثم التعليم في ما تُعرف بـ”الكتاتيب” التي كانت بمثابة مدارس وحلقات صغيرة تعقد حلقات تعليمية لليافعين كمرحلة انتقالية للتعليم في المدارس التي أُنشئت بجهود فردية ومجتمعية آنذاك، ومن أبرز مدارس الفلاح، والمدرسة الصولتية، والمدارس الهاشمية.
ولقد ارتكن التعليم في السنوات الأولى لتأسيس الدولة السعودية الحديثة وما سبقها مباشرة من سنوات؛ إلى تعليم القرآن الكريم وحفظه، وتعليم القراءة والكتابة والحساب بشكلٍ رئيسي.
ومع تأسيس الدولة بشكلٍ فعلي؛ بدأت جهود وضع وإنشاء نظام التعليم في السعودية رسمياً، متمثلةً بتأسيس مديرية “المعارف” في العام 1344هـ الموافق 1926م لتكون مهداً لإدارة وتنظيم العملية التعليمية التي كانت موجّهة لتعليم البنين فحسب في بادئ الأمر وتنظيم شؤونها في المملكة، من ثم لتتحول المديرية إلى وزارة المعارف لاحقاً وتكون مسؤولةً عن التخطيط والإشراف على تعليم البنين في السعودية وإنشاء المدارس في البلاد وفقاً لما قام عليه النظام من المراحل الدراسية في السعودية آنذاك، وهي التي تبدّت حينها بثلاث مراحل هي الابتدائية، والمتوسطة، والثانوية، لتضاف إليها المرحلة الكلية لاحقاً في العام 1369هـ / 1950م متمثلةً منحصرة في ذلك الحين بكلية الشريعة التي تُعد أولى المؤسسات التعليمية الكلية في السعودية، فيما تأسست في ما بعد جامعة الملك سعود كأول جامعة سعودية في العام 1377هـ / 1957م وكانت تضم كلية الآداب في بادئ الأمر، لتشرع باب مرحلة التعليم الجامعي ضمن المراحل الدراسية في السعودية وتشتمل على العديد من الكليات وتستقطب المزيد من الطلاب وصولاً إلى يومنا الحالي الذي تُعد فيه واحدةً من أهم الجامعات في السعودية والمنطقة.
وبعد ثلاث سنوات من إنشاء وزارة المعارف السعودية، وتحديداً في العام 1380هـ الموافق للعام 1960م؛ جرى تأسيس الرئاسة العامة لتعليم البنات مشتملة 15 مدرسة ابتدائية ومعهداً متوسطاً لتدريب المعلمات.
كما واصل نظام التعليم في السعودية نموه مع توالي السنوات ليضم وزارة التعليم العالي في العام 1395هـ / 1975م لتكون إطاراً تخطيطياً وتنفيذياً وتنظيمياً للتعليم الأكاديمي في المملكة.
وبإدراك العام 1423هـ / 2002م جرى ضم الرئاسة العامة لتعليم البنات لوزارة المعارف السعودية التي تم تغيير اسمها بعد عامٍ واحد من الضم إلى وزارة التربية والتعليم السعودية، كما تم دمج هذه الوزارة مع وزارة التعليم العالي في العام 1436هـ / 2015م لتنشأ عن عملية الدمج وزارة التعليم السعودية حالياً.
واقع التعليم في السعودية اليوم
بناءً على ما سبق من استعراض الجهود الدؤوبة والخطى الحثيثة التي اتخذتها الدولة السعودية الحديثة منذ تأسيسها لإيجاد منظومة تعليمية كفؤة ومتكاملة؛ فإنها تكاثف هذه الجهود عاماً بعد آخر تطلعاً للتطوّر والتقدم المستمر في هذا القطاع، والوصول إلى مصاف المجتمعات الدول المتفوقة في تعزيز دعائم التعليم، مما يتيح طريقاً مستنيراً لنهضة مستمرة ودائمة لأفراد المجتمع كافةً.
ولدى متابعة اخبار التعليم اليوم في السعودية؛ فيمكننا أن نلحظ أن المملكة سعي المملكة لعدم تفوّيت فرصة ولا قيمة من شأنها تنمية وتعزيز التعليم في السعودية واجتهدت في استثمار وتوفير هذه الفرص والقيم بفاعلية وكفاءة عالية في نظامها التعليمي إيماناً منها بأهمية الأمر لنهضة المجتمع والدولة وحرصاً منها على ذلك، وذلك مع الإشارة لما ورد في النظام الأساسي للحكم في المملكة وتحديداً في المادة 13 التي تنص على ما يلي: “يهدف التعليم إلى غرس العقيدة الإسلامية في نفوس النُشّء، وإكسابهم المعارف والمهارات، وتهيئتهم ليكونوا أعضاء نافعين في بناء مجتمعهم، محبين لوطنهم، معتزين بتاريخه”.
وفي هذا الإطار فإننا نستعرض تالياً أبرز مراحل وفئات نظام التعليم في السعودية اليوم بما يوضح أسس وجوانب كل مرحلة منها، ويضيء على أهم محطّات تطور التعليم في المملكة العربية السعودية أيضاً خلال السنوات القليلة الماضية:
التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة داخل السعودية
يبدأ التعليم في السعودية ضمن هذه المرحلة للأطفال دون سن السادسة، ويتبدّى في ما تقدمه رياض الأطفال الحكومية والأهلية من معارف ومهاراتٍ للأطفال، فيما تنقسم السياقات في هذه المرحلة إلى الحضانة من ثم التعليم التمهيدي.
مرحلة التعليم العام في السعودية
يُعد التعليم إلزامياً ومجانياً لكلٍ من المواطنين والمقيمين في المدارس الحكومية ضمن هذه المرحلة من المراحل الدراسية في السعودية، وتجدر الإشارة هنا إلى قرار وزارة التعليم السعودية الصادر في العام الدراسي 1443هـ / 2022م والذي ينص على استبدال الفصلين الدراسيين بثلاثة فصول دراسية في التعليم، وفي حين تهيئ الجهات المعنية البيئة المثالية الملائمة للتعليم، وتوفر المرافق والكتب المدرسية والتنقل المجاني للطلاب خلال هذه المرحلة التعليمية؛ فتأتي المرحلة على ثلاث فئات أو مراحل فرعية هي التالية:
- المرحلة الابتدائية: بدءاً من عمر ٥ سنوات وستة أشهر، أو ست سنوات حتى عمر 12 سنة وإكمال الصف السادس الابتدائي
- المرحلة المتوسطة: بدءاً من عمر 13 سنة أو الصف السابع حتى عمر 16 سنة أو الصف العاشر
- المرحلة الثانوية: تستغرق هذه المرحلة ثلاث سنوات دراسية، وتتيح للطلاب الاختيار بين السياقات والفروع الأكاديمية كالفرع العلمي والفرع الأدبي وغيرها، جنباً إلى جنب مع تخصصات المعاهد الصناعية والمهنية، ومعاهد التشييد والعمارة المرحلة الثانوية، ومن الجدير بالذكر أيضاً إقرار وزارة التعليم السعودية نظام المسارات في المرحلة الثانوية بدلاً من نظام المقررات ابتداءً من العام الدراسي 1443هـ / 2022م
مرحلة التعليم الجامعي والعالي في السعودية
يتيح التعليم في السعودية مرحلة البكالوريوس ضمن التعليم الجامعي مجاناً للمواطنين في الجامعات الحكومية بمختلف تخصصاتها المتعددة والمتنوعة، كما يصرف علاوةً على ذلك مكافأة شهرية للطلاب المنتظمين وطلاب المنح الخارجية كافة خلال هذه الفترة أو المرحلة الدراسية.
وفيما يمكن للطلاب من المواطنين السعوديين التقديم على الالتحاق ببرامج دراسة الماجستير أو الدكتوراة مجاناً أيضاً في الجامعات الحكومية؛ إلا أنه عادةً ما يكون عدد المقاعد المخصصة للمترشحين محدوداً وبالتالي، فإن هنالك معايير تنافسية عالية للالتحاق ببرامج تعليم الماجستير والدكتوراة والحظي بفرصة دراسة هذه السياقات مجاناً في الجامعات الحكومية السعودية.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى قرار وزارة التعليم الصادر في العام الدراسي اللاحق 1443هـ / 2022م والذي يعتمد نظام ثلاثة فصول دراسية في الجامعات السعودية.
التدريب التقني والمهني في السعودية
تتولى المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني في السعودية مسؤولية توفير وتقديم العديد من البرامج التدريبية في منشآتها الخاصة بهذه السياقات والقطاعات التعليمية والتدريبية، جنباً إلى جنب مع تنظيمها وإشرافها على تقدمه معاهد الشراكات الاستراتيجية، والكليات التقنية العالمية، ومنشآت التدريب الأهلية من برامج تدريب مهني وتقني، ويصل العدد الإجمالي لمنشآت التدريب الحكومية التابعة للمؤسسة إلى 260 منشأة تغطي كافة أرجاء المملكة، فيما يصل عدد المتدربين المستمرين في مختلف البرامج التدريبية إلى لأكثر من 240 ألف متدرب، بينما يصل عدد معاهد التدريب الأهلية في المملكة إلى 1011 معهد ومنشأة، وهي معاهد ومراكز تدريب ربحية خاصة أو غير حكومية، وبشكلٍ عام فتشمل الوحدات التدريبية للبرامج التقنية والمهنية في السعودية ما يلي:
- الكليات التقنية
- الكليات التقنية العالمية
- معاهد الشراكات الإستراتيجية
- المعاهد الصناعية ومعاهد العمارة والتشييد الثانوية
- معاهد التدريب المهني في السجون
- منشآت التدريب الأهلية
أبرز مبادرات التعليم في السعودية
بينما ترعى الدولة في السعودية برامج التعليم وتبذل الجهود الجزيلة في سبيل استدامة العمل على أتم حالٍ في هذا القطاع، وتحقيق المواكبة الحسنة والتطوّر والتفوق المجدي والتقدم الصالح الذي من شأنه النهوض بالنظام التعليمي إلى أعلى وأفضل المستويات والمعايير؛ فإنها تقدم العديد من المبادرات التي تضمن ذلك وتأتي في إطار ما سبق من طموحاتٍ وتطلعات إلى جانب إسهام هذه المبادرات في تكامل العملية والمنظومة التعليمية بشكلٍ مثاليٍ وموفق، وفي ما يلي نستعرض بإيجاز وافٍ أبرز وأهم هذه المبادرات:
- رعاية النابغين والموهوبين
- الاهتمام بتعليم الأشخاص من ذوي الاعاقة والحرص على ذلك
- مبادرة التعليم مدى الحياة “استدامة”
- نظام تعليم الكبار ومحو الأمية في المملكة العربية السعودية
- برنامج الحي المتعلم الذي يهتم بمحو الأمية
- التبادل الجامعي عبر سُبل التعاون الدولي
- المكتبة الرقمية السعودية وما تضمه من كتب إلكترونية تصل إلى أكثر من 680 ألف كتاب في مختلف التخصصات والمجالات
- المراكز البحثية وما تتضمنه رؤية 2030 من سعيٍ لأن تكون السعودية ضمن أفضل 10 دولٍ في العالم في مؤشر التنافسية للبحث والابتكار
- البرامج التعليمية في السجون
- تطوير المناهج السعودية بما يتماشى مع المستجدات العلمية والتقنية الحديثة والتطوّر في العلـوم التربوية والرؤية المتزنة للمجتمع السعودي والمملكة العربية السعودية
- التعليم العام في كافة مراحلة لغير السعوديين وفق شروط ومعايير محددة
- مواكبة التقنية عبر المنصات التعليمية الإلكترونية والرقمية المتعددة والتي تغطي جميع الفئات التعليمية والمراحل الدراسية في السعودية
- انتهاج التعليم عن بعد والتعليم الإلكتروني ووضع المعايير الفاعلة والكفؤة لذلك
- تطبيقات الجوال لقطاع التعليم والتدريب
خلاصة؛ فلقد أثمرت الجهود الحثيثة بوتيرة متسارعة لنهضة التعليم في السعودية جنباً إلى جنب مع وعي المجتمع السعودية وإدراك الدولة السعودية لأهمية ذلك؛ خفض نسبة الأمية في السعودية إلى 3.7% من عموم المجتمع، ما يعني أن نسبة المتعلمين من الذكور والإناث تبلغ أكثر من 96% وهي نسبة عالية ومتفوقة وتعود بفوائد جمّة على المجتمع والدولة في إطار الحديث عن التقدم والنهضة العامة.
وفي حين تستمر مساعي التطوّر والتقدم، وتبرز سمات الاهتمام بالتعليم في السعودية على هيئة نتائج إيجابية عظيمة؛ فإنها تجدر الإشارة هنا إلى تصدر المملكة في المركز الثالث على العالم من حيث الإنفاق على التعليم تِبعاً لتقرير التنافسية العالمي للعام 2022، ضِف إلى ذلك تقدّم السعودية 5 مراتب في مؤشر التنمية البشرية الصادر عن تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للعام 2022، وتقدمها في 16 مؤشراً من مؤشرات التنافسية العالمية في قطاع التعليم وفقاً للكتاب السنوي للتنافسية العالمية في العام 2022.
بهذا نكون قد قدّمنا لك في هذا المقال؛ معلومات وافية عن التعليم في السعودية بما يتضمن السير على خطٍ زمني تتبعنا فيه مراحل تطور التعليم في المملكة العربية السعودية، إلى جانب إيضاح المراحل الدراسية في السعودية وأهم وأبرز المعلومات عنها وعن نظام التعليم في السعودية عموماً.
إذا كنت ترغب بالحصول على المزيد من المعلومات وقراءة العديد من المقالات المهمّة والشيّقة؛ فإننا ندعوك لتفقّد مدونة بيّوت السعودية والبقاء على اطّلاعٍ بكلِ جديدٍ أولاً بأول.