لقد جرى تداول مصطلح ومفهوم التعلم عن بعد بزخمٍ متزايد منذ السنوات القليلة الماضية حتى يومنا الحاضر، وتعزّز حضور التعلم عن بعد وانتهاجه والاعتماد عليه بوطأة وغزارة لافتة في غمرة انتشار جائحة “كورونا” منذ العام 2020، مما منح نظام التعليم عن بعد فرصةً للتجريب والاختبار، ليُظهر بدوره فاعلية وكفاءة متباينةً لا بأس بها، مع الأخذ بعين الاعتبار التفاوت في مستويات الاعتماد على نظام الدراسة عن بعد واختلاف استراتيجيات التعلم عن بعد التي تم اعتمادها في مختلف دول العالم.
في هذا المقال؛ نتناول موضوع التعلم عن بعد بمزيدٍ من المعلومات والتفصيل، وذلك بما يشمل إيضاح أبرز ايجابيات وسلبيات التعلم عن بعد، جنباً إلى جنبٍ مع سرد استراتيجيات التعلم عن بعد الأكثر انتشاراً واستخداماً، وإيراد بعضٍ من أهم قوانين التعلم عن بعد، كما سنخصص فصلاً من هذا المقال للحديث عن التعلم عن بعد في السعودية ودوره وملامحه في سياق المنظومة التعليمية التي تنتهجها المملكة العربية السعودية.
ايجابيات وسلبيات التعلم عن بعد
فيما يتميز التعلم عن بعد بالعديد من الخصائص والميّزات الإيجابية المثمرة والرائعة؛ فإنه يشوبه في المقابل بعضاً من السلبيات كذلك التي من شأنها التأثير على سير العملية التعليمية والتربوية المعهودة، ولذا فإننا نُدرج تالياً أبرز ايجابيات وسلبيات التعلم عن بعد بتفصيلٍ وافٍ وموجز:
ايجابيات التعلم عن بعد
لعلّه مما لا شك فيه؛ إسهام نظام التعلم عن بعد بفاعلية كبيرة في وفرة سُبل التعليم وإتاحته بقدرٍ أكبر، مما يُمكّن من الحصول عليه في أي مكان وزمان بسهولة ويُسر، وفي ما يلي نستعرض باختصارٍ واضحٍ بعضاً من أبرز ايجابيات التعلم عن بعد:
- المرونة والسلاسة في التعلم: تتيح الأنظمة المختلفة في إطار التعلم عن بعد؛ سلاسة وسهولةً جزيلة في الحصول على التعليم من أي مكان وفي أي زمان، مما يُسهم في إزالة العوائق المكانية والزمانية التي قد تقع في طريق الوصول إلى العلم والمعرفة
- الطُرق المختلفة والمتعددة للتعلم: تتباين استراتيجيات التعلم عن بعد بتنوعٍ ينسجم مع تأدية الغاية ذاتها، الأمر الذي يُشكّل خياراتٍ أكثر للتعليم وعدم انحساره في قالب نمطي واحد
- توفير الوقت والجهد: بالعودة إلى إيجابية المرونة في التعلم؛ فإن التعلم عن بعد يضطّلع بدورٍ فاعلٍ في توفير الوقت الذي قد يُستغرق في الذهاب إلى مكان الدراسة أو التعلم والعودة منه، وكذلك فإنه يكفئ ما قد يُبذل من جُهد إضافيٍ في سبيل ذلك أيضاً
- مواكبة التطوّر والتكنولوجيا: يُسهم نظام التعلم عن بعد في رفع كفاءة الطلاب للتعامل مع التقنيات الحديثة، كما يُسهم بفاعلية كبيرة في دمج المجتمعات ضمن موكب التطوّر والحداثة من منظور إيجابيٍ ومفيدٍ أيضاً
- توفير المال وتكاليف التعليم الباهظة: تنطبق هذه الإيجابية على كلا الطرفين في العملية التعليمية؛ فقد يخف حمل تكاليف التعليم العالية عن كاهل الطلاب وأهاليهم بموجب توفر سُبل التعليم المتعددة منخفضة التكاليف من ناحية، كما تتقلص في المقابل نفقات المؤسسات التعليمية التي تُدفع على المرافق والموظفين وما إلى هنالك من التكاليف الأخرى على الناحية الثانية
- إمكانية تسجيل الدروس والمحاضرات والاحتفاظ بها من أجل العودة لمراجعتها لاحقاً
- إتاحة آفاقٍ أرحب وفرصٍ أفضل للتعلم: إذ سيكون بمقدور الطلاب الالتحاق بمؤسسات تعليمية في دولٍ أخرى دون إلقاء بال لإجراءات وتكاليف السفر والإقامة وما سوى ذلك من التفاصيل الأخرى، كما أن لذلك دوراً فاعلاً في إزالة القيود والعوائق التي قد تحول دون التمكّن من الحضور إلى أماكن التعلم والدراسة ومن ذلك الظروف الصحية، والعمل، وظروف الأمومة أو الأبوّة
- زيادة مشاركة الطلاب وتفاعلهم: قد يُمثّل التعلم عن بعد فرصة ثمينة للطلاب الذين يراودهم الشك حول صحة وسلامة مشاركتهم أو الذين قد يشعرون بالخجل أو التردد أو الحرج من المشاركة في الغرف الصفية، فقد يأتي التعلم عن بعد ليدعم موقفهم ويعزز ثقتهم بأنفسهم لتحقيق مشاركة فاعلة من قِبلهم
- اطّلاع الأهالي على ما يتعلمونه أبنائهم، والتمكّن من المتابعة معهم، وتفقّد الأسلوب والنمط التعليمي المتبّع وسلامته عبر نظام التعلم عن بعد، الأمر الذي يُمثّل إحدى ايجابيات التعلم عن بعد أيضاً
سلبيات التعلم عن بعد
قد تختلف رؤية سلبيات التعلم عن بعد من شخصٍ إلى آخر تِبعاً لما قد يجده ملائماً ومنسجماً معه أم لا، إلا أنه وبشكلٍ عام؛ فإن هنالك بعض السلبيات التي تكتنف أمر التعلم عن بعد وتضر بمكتسبات الأفراد من العملية التعليمية، وفي ما يلي نستعرض أبرز هذه السلبيات المحتملة بإيجازٍ وافٍ:
- تقلص حجم التفاعل والتواصل الاجتماعي المباشر الذي قد يعود على الأفراد من الطلاب بمهاراتٍ وفوائد جمّة بما في ذلك تكوين شبكة علاقاتٍ حيّة وفاعلة، والاستفادة من المهارات السلوكية الإيجابية، والتبادل المعرفي، والتواصل الإيجابي المتين
- التساهل في سير العملية التعليمية: وذلك بما ينطبق على الطرفين سواءً الطلاب الذين قد لا يلتزمون بالمواظبة على الدروس والمحاضرات والانتباه جيداً لمحتواها والاهتمام به، أو ممثلي المؤسسات التعليمية الذين قد يتعاملون باستخفافٍ مع منظومة التعليم عن بعد
- عدم التمكن من ضبط المنظومة التعليمية: قد يؤثر التعليم عن بعد سلباً من حيث عدم القدرة على قياس وحساب الفوارق الأكاديمية والمهاراتية بين الطلاب، إلى جانب إمكانية عدم القدرة على التأكد من إيصال المعلومات للطلاب بالشكل المطلوب وكما يجب، وعدم التمكّن من ضبط وتحديد حالات التسيّب والغش وما إلى هنالك من التفاصيل الأخرى المرتبطة بالأمر
- احتمالية صعوبة التعامل مع التكنولوجيا: قد يجد بعض الطلاب والمعلمين على حدٍ سواء صعوبة في التعامل مع منصات التعلم عن بعد والتقنيات الحديثة بشكلٍ عام، مما يشكّل عائقاً أمام نجاح تجربة الدراسة عن بعد
- المشاكل المحتملة للاتصال بشبكة الإنترنت: قد تقع بعض المشكلات المتعلقة باتصال الإنترنت في بعض الأحيان مما يستنزف الوقت ويحول دون إكمال متطلبات العملية التعليمية على النحو المطلوب والمستهدف
- انخفاض نسب المشاركة الفاعلة: في حين قد ترتفع نسب المشاركة الفاعلة في بعض الأحيان جرّاء نظام التعلم عن بعد؛ فإنها قد تنخفض في أحيانٍ أخرى تِبعاً للتساهل وعدم الظهور بشكلٍ واضح، مما يُشكّل إحدى سلبيات التعلم عن بعد
أبرز استراتيجيات التعلم عن بعد
تختلف وتتنوع استراتيجيات التعلم عن بعد المتبعة حول العالم، وذلك عطفاً على ما تعتمده الحكومات والمؤسسات والجهات التعليمية، وتتمثّل أبرز استراتيجيات التعلم عن بعد وأكثرها شيوعاً إجمالاً بالتالية:
استراتيجية العروض العلمية الإلكترونية
هي التي تتيح للطلاب فرصة معاينة التجارب العلمية والأكاديمية بمراحلها دون التجريب الفعلي لها، مما يجعله على دراية ممتازة بهذه العلوم والمعلومات والمهارات والتمكن من إجراءها والخوض فيها عملياً عند الحاجة
استراتيجية التدريب والممارسة
هي التي تمنح الطلاب المعلومات والمهارات والمعارف التي يحتاجونها حول موضوع معيّن، وبما يؤهلهم للتجريب بشكلٍ فردي من ثم القيام بمحاولة الممارسة الفردية وتبيّن النتائج التي تشير إلى مراتب الطلاب ومستوياتهم الإدراكية
استراتيجية الرحلات العلمية الإلكترونية
هي التي تتمثّل فعلياً بكونها عملية دفعٍ للطلاب نحو البحث والتنقيب عن المعلومات والمهارات التي تدور حول أمرٍ أو موضوع معيّن أو قضية ما، من ثم استخلاص النتائج بناءً على عمليات بحثهم وما يتوصلون إليه من مصادر ومعلومات وبياناتٍ حول الأمر، ويمكن أن يُحدد مستوى كلاً منهم بعد ذلك بناءً على النتيجة التي يخلص إليها من بحثه
استراتيجية الألعاب التعليمية
هي التي تعتمد على المنافسة وإعمال العقل كسبيلٍ للوصول إلى المعرفة، وذلك بغلافٍ من المتعة والشغف الذي يتمثل في تجسيد رحلة الوصول إلى المعلومات والمعارف بألعاب تعليمية تعزز مهارات التواصل والحافز نحو التعلم المستمر حتى الوصول إلى نتيجة مهمة وثمينة
استراتيجية التعلم التعاوني
هي التي تكمن فحواها بتقسيم الطلاب من الصف الواحد أو المحاضرة الواحدة إلى مجموعات عمل، تعمل كلٌ منها بشكلٍ تعاوني لتحقيق النجاح الذي يتشاركون فيه خبراتهم وقدراتهم ومهاراتهم المتباينة والمختلفة في المهمات التعليمية المطلوبة، وذلك بإشرافٍ من المعلم أو الجهة التعليمية على المجموعات جميعاً، مما يعزز في الطلاب روح الفريق ويثري التفاعل والتواصل بينهم على الرغم من تباعدهم وتلقّيهم للتعلم عن بعد
استراتيجية التعليم المدمج
هي التي تدمج بين عناصر التعليم التقليدي والتعليم عن بعد بحيث تتكامل العملية التعليمية على هذا النحو عبر الاستعانة بوسائل الاتصال وطرق التعلم عن بعد جنباً إلى جنب مع المقررات والحضور الوجاهي للمؤسسات التعليمية
استراتيجية العرض التقديمي الإلكتروني
تتبدّى هذه الاستراتيجية باستخدام مختلف وسائل وعناصر التعلم عن بعد لإتمام الخطة التعليمية بما في ذلك إجراء الدروس والمحاضرات عبر تطبيقات التواصل والاجتماعات الرقمية وعرض مقاطع الفيديو والصور والنصوص من خلالها
استراتيجيات المحاكاة وتمثيل الأدوار
هي التي تقدم نموذجاً رقمياً وإلكترونياً من التجارب العلمية والمعرفية والمقررات الاكاديمية بما يحاكي ويمثّل ما يوازيها على أرض الواقع، الأمر الذي يُسهم في التدرب المسبق للتعامل مع المواقف والبيانات والنماذج العملية
استراتيجية التدريب الخصوصي
هي مماثلة تماماً لاستراتيجية العرض التقديمي الإلكتروني إلا أنها تكون موجهّةً لطالبٍ واحدٍ أو طالبةٍ واحدة فقط، مما يتيح لهم تركيزاً أكبر وتكثيفاً أعمق وفرصة لطرح المزيد من الاسئلة والاستفسارات والحصول على إجاباتٍ عنها بما يناسب مستوياتهم ومتطلباتهم للتطوّر والتقدم والتفوق بشكلٍ خاص
أشهر طرق التعلم عن بعد
لا يُعد التعلم عن بعد نظاماً حديثاً إذ جرى اتباعه كما هو موثّق منذ العام 1728م حينما كان المعلم “كاليب فيليبس” ينشر إعلاناتٍ في الصحف عن إعطائه دروساً للطلاب عن بعد اعتماداً على رسائل البريد الأسبوعية، ومع توالي السنوات وصولاً إلى يومنا الحالي وما أصبحنا عليه من اتطوّر تقني مذهل؛ فلقد غدت الجهات والمؤسسات التعليمية تستعين بطرق عديدة ومتنوعةٍ أيضاً لتطبيق استراتيجيات التعلم عن بعد، ولعلّ أشهر هذه الطرق وأكثرها شيوعاً واستخداماً حالياً هي التالية:
- منصات التعليم الإلكتروني المخصصة عبر الإنترنت
- الاستعانة بتطبيقات الاجتماعات الإلكترونية وأبرزها “زووم، وتيمز، وغوغل ميت”
- التعليم عن بعد عبر القنوات التلفزيونية المخصصة لذلك
- الاستعانة بمجموعات مواقع التواصل الاجتماعي وعقد المحاضرات عبر خاصية البث المباشر “لايف”
- النصوص المصوّرة ومقاطع الفيديو والصوت المسجّلة مسبقاً والتي يجري ارسالها عبر البريد الإلكتروني أو منصات التواصل الاجتماعي
التعلم عن بعد في السعودية
تضطلع المملكة العربية السعودية بجهوزية ممتازة ومتفوقة في قطاع التعليم عن بُعد، إذ أن هنالك العديد من التجارب الناجحة للمملكة في هذا المجال والتي كانت مستخدمةً من قبل انتشار جائحة كورونا عالمياً وغدوّ الأمر ضرورة مُلحةً في حينها، ويمكن أن نذكر في هذا السياق عمادة التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد أو بوابه التعلم عن بعد التي كانت تتيحها العديد من الجامعات السعودية بترخيص من الحكومة بُغية التسهيل على الطلاب الذين يواجهون صعوبات ومعيقاتٍ في الوصول إلى الحرم الجامعي وتلقي محاضراتهم هناك لأسبابٍ وظروفٍ مختلفة.
وحينما القت جائحة كورونا بظلها وثِقلها على العالم؛ كانت السعودية من أوائل الدول الجاهزة والمستعدة للمضي قُدما في مسيرة التعليم اعتماداً على أنظمة ومنصات التعلم عن بعد التي كانت قد اعدت قِسماً منها مسبقاً وشرعت بإطلاق القسم الآخر منها مع وقوع الجائحة على الفور ما في ذلك منصة “مدرستي” وقنوات “عين”، وغيرها من الوسائل والسُبل.
ولقد حققت السعودية نجاحاً متميزاً ومتفوقاً تؤكده الدراسات والبيانات والأرقام في هذه التجربة، ويشار هنا إلى تعامل السعودية مع أمر التعلم عن بعد بجدية ومسؤولية، وذلك ما تتبدّى إحدى مظاهره بوضع السعودية قوانين التعلم عن بعد الخاصة بها، إذ تجلّت قوانين التعلم عن بعد في السعودية بالتالية:
- تأدية الطلاب للنشيد الوطني السعودي مع بداية كل يوم دراسي
- الالتزام باحترام اللغة العربية والتحدث بالعربية الفصحى
- الالتزام بتجنب العنصرية والطائفية والقبلية، والحرص على الالتزام بالاحترام المتبادل من قبل الجميع
- استلام الكتب المدرسية من المدرسة عن طريق الطالب أو ولي الأمر حصراً
- الاطلاع باستمرار على البرنامج الأسبوعي والالتزام بحضور الحصص والمحاضرات الدراسية في مواعيدها
- التحلي بالأخلاق الحميدة كالصدق، والاحترام، والأمانة وفقاً لأعلى المستويات
- الاطلاع المستمر على التقييم المعتمد من قِبل المعلم
- أداء الواجبات الدراسية بشكل يومي، وشرح الظروف التي قد تحول دون أداء الواجب للمعلم أو الجهة المعنية
- الالتزام بالدخول إلى منصة مدرستي للتعليم عن بعد لحضور الحصص المدرسية
- الالتزام بالدخول إلى بوابه التعلم عن بعد أو عمادة التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد الخاصة بكلِ جامعةٍ على حدة لحضور المحاضرات الجامعية
- التدرب على الاستخدام الصحيح لكافة التطبيقات التابعة لمنصات التعلم عن بعد
- حضور الدروس والمحاضرات اليومية عن طريق منصة مدرستي، أو عبر قناة عين الفضائية
- إنجاز المهام الإلكترونية المعتمدة بواسطة المنصات التعليمية
- الحرص على الالتزام بكافة التوجيهات الإرشادية
- الالتزام بالتقدم للاختبارات الرئيسية الموضوعة والمقررة من قبل الهيئة التعليمية وإنجازها كما ينبغي
- تحضير مكان أو موقع مخصص وملائم للتعلم الإلكتروني مع الحرص على ضرورة أن يكون بعيداً من المشتتات وأي وسائل إلهاء أو إزعاج
بهذا نكون قد قدّمنا لك في هذا المقال؛ معلومات وافية ومتكاملة حول التعلم عن بعد وذلك بما يشمل سرد ايجابيات وسلبيات التعلم عن بعد، وإيضاح أبرز استراتيجيات التعلم عن بعد، إلى جانب إدراج أشهر طرق التعلم عن بعد، والحديث حول التعلم عن بعد في المملكة العربية السعودية.
إذا كنت ترغب بالحصول على المزيد من المعلومات وقراءة العديد من المقالات الأخرى المهمّة والشيّقة؛ فإننا ندعوك لتفقّد مدونة بيّوت السعودية والبقاء على اطّلاعٍ بكلِ جديدٍ أولاً بأول.