لقد استخدم وألِف الإنسان الكتابة منذ أزلٍ بعيدٍ، حينماً أدرك حاجته لوسيلة تعبيرٍ إضافيةٍ تكون قادرةً على زيادة الذاكرة البشرية، ويمكنها الوصول إلى مدىً أرحب مما سواها، لتكون بذلك فاتحةً للعديد من الآفاق بما في ذلك كونها سبيلاً يسيراً للتعبير، وخزانة للتوثيق، وحافظة للمعارف شتى، ومرجعاً للعلوم، وأداةً للتخاطب، وباباً للترفيه، ومُكتنزاً للتدوين، وما إلى هنالك من ضروب الوصف الأخرى التي يمكن إيرادها في سياق الكتابة عن الكتابة ذاتها.
وفي حين تشير المراجع والدراسات إلى بدء اكتشاف الكتابة واستخدامها أولاً في “بلاد الرافدين” أو “بلاد ما بين النهرين” أي العراق حالياً، من ثم ابتداعها بطرقٍ أخرى في مصر لاحقاً؛ فإنها انطلقت وشعّت كالنور بعد ذلك إلى أرجاء العالم أجمع، كما تطوّرت أدواتها مع مرور السنوات والأزمان وصولاً إلى يومنا الحالي الذي لم نستغنِ فيه عن الكتابة ولا تلوح في الأفق أية بوادر لذلك، بوصفها كانت وما تزال ذات قيمةٍ ومكانةٍ أساسية ورئيسية في الحياة البشرية.
في هذا المقال؛ نغوص بعمقٍ في الحديث عن الكتابة بما يشتمل تبيان تعريف الكتابة وتوضيح أهميتها، جنباً إلى جنبٍ مع سرد أبرز طرق الكتابة وتسليط الضوء على أهم مهارات الكتابة التي نحتاج إليها في القوالب الأكثر شيوعاً، ذلك إلى جانب المزيد من المعلومات والتفاصيل الأخرى.
تعريف الكتابة
يُمكن تعريف الكتابة بإيجازٍ على أنها وسيلة تعبيرٍ وتواصل بشري تعتمد على استخدام لغة ذات حروف ورموزٍ وإشاراتٍ سواءً كانت هذه العناصر مجتمعة أم لا ومضافٌ عليه المزيد من هذه العناصر أم مكتفيةً ببعضٍ منها، وبالتالي فتُشكّل الكتابة أداةً لقراءة اللغات، كما أنها وسيلة للتخاطب، والتدوين، والتوثيق، والتعليم، وإيصال الرسائل، وإصدار البيانات والتعميمات، وتلخيص الأفكار وحفظها، وما إلى هنالك من الاستخدامات الأخرى.
وعادةً ما تقوم الكتابة على قواعد وأنظمة منبثقة من طبيعة اللغة التي تجري الكتابة بها، وتُسمى النتيجة أو الخلاصة النهائية من الكتابة بالنص الذي يُمكن أن يتمثّل ويتجلى بقوالب مختلفةٍ ومتنوعةٍ بحسب السياق والهدف أو الغاية.
أهمية الكتابة
تنبع اهمية الكتابة بشكلٍ رئيسي من إمكانية الاحتفاظ بها، وسهولة وصولها إلى أماكن وأزمانٍ مختلفة، تزامناً مع دوافع استخدامها وما تؤديه من وظائف جليلةٍ وبالغة الأهمية في الكثير من الأحيان، فناهيك عن استخدام الأديان السماوية للكتابة عبر الكتب السماوية الجليلة وما فيها من وضع تعاليم وأحكام ومواعظ موقّرة؛ فلقد ظهرت اهمية الكتابة في العديد من المطارح والمواضع عبر الزمن، وأدّت وظائف ومهام كثيرة لعلّ أبرزها وضع القوانين، وصياغة الاتفاقيات، وخط الوصايا، وحفظ العلوم، وتوثيق التاريخ والوقائع، وتدوين الآداب والأفكار، وكتابة الرسائل، وما إلى ذلك من الوظائف الأخرى التي أدّتها الكتابة مسهمة بذلك في ظهور الدول، وصًنع الحضارات وتطوّرها، وتنظيمها، واستمرار الوعي البشري، وتوارث المعارف عبر الزمن.
وما تزال الكتابة تضطلع بأهمية فائقة في وقتنا الحالي على الرغم من التطوّر الهائل الذي يشهده العالم بأسره، مما يؤكد ألا غنىً عنها في ممارسة حياتنا اليومية، واستقامة التواصل، وتوسيع آفاق التخاطب والتعبير، واستمرار التوثيق والتأريخ والتدوين لنقل المعارف والمخاطبات بين الناس وتوريثها للأجيال القادمة بغض النظر عن تغيّر طرق الكتابة وتطوّرها.
طرق الكتابة عبر العصور
لقد تبدّلت وتغيرت طرق الكتابة البشرية تِبعاً لتطوّر الحضارات واكتشافها ما هو أكثر تقدّماً وسلاسة ونفعاً من أدوات الكتابة عبر التاريخ، ففي حين كانت الكتابة المسمارية التي تُنحت بالمسامير تُمثّل مهد طرق الكتابة في العالم، وذلك في الحضارية السومرية، فلقد ظهرت الكتابة الهيروغليفية التي استخدمت الأزميل والمطرقة والقلم والمحبرة والأختام لنقش الصور والرموز تعبيراً عن الأصوات لاحقاً في الحضارة الفرعونية في مصر، كما برزت الكتابة التصويرية التي استعملت الرسم ونحت الرموز سبيلاً للكتابة والتعبير بعد ذلك في العراق وسورية أيضاً، تلا ذلك التوصّل لوضع الحروف الأبجدية وتنظيمها وحفظها في كلٍ من الشام وسيناء أولاً بحسب المراجع التاريخية، وصولاً إلى اختراع الورق البردي في مصر والتمكن من الكتابة عليه بالحبر والقلم مع تطوّر العصور.
ولقد توالت وتعاقبت الأزمان تِباعاً وجرى التطوير على جودة الأوراق والأقلام والمخطوطات وأدوات وطرق الكتابة حتى أدركت زمننا ووقتنا الحالي الذي غدت طرق الكتابة متعددة ومتنوعة فيه بما يشمل توارث طرق الكتابة التي ابتدعوها واكتشفوها الأسلاف بما في ذلك الكتابة بالأحجار، والمعادن، والكتابة بحبر الريشة على الجلود واللوائح والأخشاب والأوراق، ذلك إلى جانب الكتابة بالأقلام على الورق بصفةٍ أساسية ورئيسية والكتابة على ما سوى الأوراق من العناصر الأخرى المتاحة والتي يُمكننا الكتابة عليها كالأخشاب وغيرها، ضِف إلى ذلك استدارة عجلة التطور التقني في العصر الحديث مما أفرز أدوات وطرق جديدةٍ للكتابة بما فيها الكتابة على تطبيقات الكمبيوتر أو الحاسوب، والكتابة عبر الموبايل أو الهاتف النقّال، وما إلى ذلك من طرق الكتابة الحديثة والمُعاصرة أيضاً، والتي أصبحت تتطلب مهارات كتابه جديدة وملائمة لها كما كان لا بُد من تعلم مهارات الكتابة الملائمة للأوقات السابقة.
وفي سياق متصل؛ فلقد ظهرت مع تطوّر المعارف الإنسانية عبر الكتابة؛ العديد من القوالب الكتابية التي تختلف من حيث طرق الكتابة بناءً على الحقل أو المضمون، جنباً إلى جنب مع نوع وأسلوب البناء، فتختلف مثلاً طريقة كتابة المقال عن كتابة القصيدة أو النثر، وتتباين طريقة كتابة الخطابات مع كتابة المراسيم، فيما تُكتب الأغاني والأناشيد بشكلٍ مغاير لطريقة الكتابة للمسرح أو السينما، وتختلف طريقة كتابة الخاطرة عن كتابة الرواية، وكتابة الكتاب عن كتابة الرسائل، وسِر على ذلك في مختلف القوالب الكتابية المتنوعة.
ومن ناحية أخرى فيتبدّى الفرق بوضوح بين طريقة الكتابة العلمية والكتابة الأدبية أو الفنية، أو الكتابة الاقتصادية والكتابة السياسية، كما تتباين طريقة الكتابة السردية عن الكتابة الدينية، وتختلف الكتابة التاريخية عن الكتابة المعاصرة، وهكذا الحال في مختلف أنواع الكتابة الأخرى التي تتصل كلٌ منها بطريقة مختلفة ومتباينةٍ عن الأخرى.
مهارات الكتابة الأساسية والفرعية ومراحل تطوّرها
بينما تغيّرت طرق الكتابة عبر التاريخ البشري؛ فإنه يُمكن القول أنها تطوّرت المهارات الفرعية للكتابة عطفاً على ذلك، إلا أنها ما زالت مهارات الكتابة جوهراً على حالها منذ ظهورها، وفي تحليل ذلك؛ فإن للكتابة مهاراتٍ أساسية وأخرى فرعية، وأما الأساسية فهي التي تتعلق بفحوى الكتابة ومضمونها، إذ ينبغي أن تستند إلى لغة واضحة ومفهومة وسليمة وبليغة وجزيلة في المجمل، إلى جانب ضرورة وعي الكاتب وبحثه ومعرفته العميقة حول ما يكتب، ضِف إلى ذلك ما يتعين وجوده لدى الكاتب من مهارات كتابه ترتبط بالأسلوب والصياغة والحليات الفنية والبنائية والتركيبية للنصوص التي يكتبها بشكلٍ عام وأساسي.
أما المهارات الفرعية للكتابة فهي التي يمكن أن تتبدّى أيضاً بطرق الصياغة والأساليب الفنية والبنائية للنصوص، إلى جانب إجراء تدريب على الكتابة وممارسة لها، مما يصنع لدى الكاتب غزارة لغوية وما يُمكن أن يمنحة سلامةً نحوية شيئاً فشيئاً، ضِف إلى ذلك من المهارات الفرعية للكتابة أهمية القراءة، ما من شأنه أن يرفد الكاتب باطّلاعٍ معرفي أكبر ومفردات أكثر بلاغةً وشمولاً وتعبيراً، كما يُعد إجراء تدريب على الكتابة السريعة أحد السُبل لتحقيق إحدى مهارات الكتابة الفرعية المهمة أيضاً.
ومع تطوّر عصرنا الحالي؛ فإنه غدى لا بُد للكتاب من إجراء تدريب الكتابة على الكيبورد سواءً للكتابة بواسطة الكمبيوتر أو الحاسوب، أو الكتابة عبر الموبايل أو الهاتف المحمول، وما سوى ذلك من وسائط الكتابة الحديثة والمعاصرة أيضاً.
وخلاصة؛ فإن للكتابة قدر وشأن جليل على مدار الحياة والعصور والأزمان؛ إذ مكّنتنا بشكلٍ أساسي ورئيسي من جمع المعارف وتوارثها وتدوين الأفكار والعلوم، وحققت آثاراً وفوائد عظيمة النفع للبشرية على مدى التاريخ حتى اليوم والغد والمستقبل.
بهذا نكون قد قدّمنا لك في هذا المقال أبرز وأهم ما يخص الكتابة من معلومات وتفاصيل شاملة تضمنت كلاً من تعريف الكتابة وأهميتها، وإيضاح طرق الكتابة ومهاراتها عبر التاريخ بإيجازٍ وافٍ.
إذا كنت ترغب بالحصول على المزيد من المعلومات وقراءة العديد من المقالات المهمّة والشيّقة؛ فإننا ندعوك لتفقّد مدونة بيّوت السعودية والبقاء على اطّلاعٍ بكلِ جديدٍ أولاً بأول.