فيما يُعتقد أحياناً أن مصطلح الفن الحديث هو إشارة إلى الفن الجديد أو المواكب للزمن الحاضر؛ فإن ذلك فهماً خاطئ لهذا المصطلح الذي يختص بنوعٍ من الفنون ظهر في حقبة خاصةٍ به نتيجة لمجموعة من العوامل، وقاده وتبعه فنانون وسمت أعمالهم بهذا النوع والطابع الفني، لتصبح لهذا القالب أو النمط الفني أساسياته وملامحه الخاصة التي تميّزه عمّا سواه.
في هذا المقال؛ سنعرّف ما هو الفن الحديث أو مفهوم رسم الفن الحديث، ونعلل أسباب ظهوره، إلى جانب توضيح سمات وملامح الفن الحديث والمدارس الفنية التي تمخضت عنه، وتبيان أهم ما يميزه عن غيره من الأنواع الفنية بذلك، كما سنشير إلى أبرز رسامي الفن الحديث ونستعرض بعضاً من رسومات عن الفن الحديث، وكذلك فإننا سنبين الفرق بين الفن الحديث والمعاصر بإيجازٍ وافٍ أيضاً.
ما هو الفن الحديث؟
يشير مصطلح الفن الحديث إلى النمط الفني الذي ساد في حقل الرسم خلال الفترة الممتدة ما بين ستينيات القرن التاسع عشر وحتى سبعينيات القرن العشرين، إذ كانت بدايات ظهور الفن الحديث في القرن التاسع عشر بُغية الخروج عن التقاليد والقوالب الفنية المُقيدة للابتكار والبراعة الفلسفية في الرسم، حيث خاض روّاد الفن الحديث آنذاك تجارب وطرقاً جديدة ومختلفة في الرسم تحمل رؤىً وطبيعة فريدة لأدوار فن الرسم وأدواته، ويعتمد الفن الحديث بشكلٍ رئيسي على فلسفة التجريد في الرسم عوضاً عن الفلسفة السردية التي كانت شائعة قبل انتشار نمط الفن الحديث.
أسباب ظهور الفن الحديث
لقد كانت الرسومات أو الأعمال الفنية في باريس تخضع قبل ظهور الفن الحديث للجان تحكيم تحدد قبول هذه الأعمال الفنية من عدمه وفقاً لحُزمةٍ من المعايير التي تفرض تطابق السمات الإبداعية للرسومات وطرق تنفيذها مع التوجهات السردية التي كانت تضعها هذه اللجان، وفيما تطرق ثُلة من الرسامون والفنانون في باريس آنذاك لأنماطٍ وفلسفاتٍ مغايرة في رسوماتهم؛ فلم تلقى هذه الأعمال قبولاً وموافقة للنشر من قِبل لجان التحكيم المختصة، الأمر الذي أدى لاحتجاج هؤلاء الرسامون ورفعهم التماساً للامبراطور نابليون الثالث آنذاك مطالبينه بالنظر في احتجاجهم وقضيتهم التي رأى فيها ظُلماً من المحكّمين، مما أفضى لسماحه بتنظيم معرضٍ خاصٍ بالرسومات والمنحوتات والأعمال الفنية المرفوضة من قِبل المحكمين، وأُطلق على هذا المعرض وقتها “صالون المرفوضات”، ليكون بمثابة نقطة تحولٍ وشرارة الانطلاق لمفهوم الفن الحديث.
سمات وملامح الفن الحديث وأبرز مميزاته
لعلّ أبرز ما يميّز الفن الحديث هو تحرر الفنانين أو الرسامين من معايير النُقّاد ولجان التحكيم، ومن سلطة الكنيسة والملوك والأمراء الطبقة السياسية الحاكمة، وكذلك الطبقة المهيمنة اقتصادياً، وأجهزة الدولة المختلفة، وبالتالي تحرر الفنانين من القوالب الفنية التي كانت تحددهم بأنماطٍ ومساراتٍ وأفكارٍ فنية معيّنة دوناً عن سواها، ومع حصول الفنانين والرسامين على حريتهم؛ فإنهم غدوا ينفذون أعمالاً فنية مبتكرة فكرياً بحيث تصوّر أفكارهم الفنية بلا رقابةٍ ولا قيودٍ صارمة، وبالتالي فظهرت أساليب مختلفة متباينة تميّز كل فنانٍ عن غيره، ونُفذت رسوماتٍ وأعمالٍ فنية تحاكي التحرر العاطفي، وصور الطبيعة، والقضايا المجتمعية، والرؤى الفنية الشخصية، وما إلى هنالك من الأفكار والأساليب الفنية آنذاك، كما بات الفنانون يستخدمون أدواتٍ جديدة في الرسم بما فيها “الكولاج” وورق “الكوليه” أو الورق اللاصق، وغير ذلك من المواد الجديدة في صناعة اللوحات والأعمال الفنية آنذاك أيضاً.
الفن الحديث والمدارس الفنية النابعة منه
لقد أفضى توالي المعارض والخاصة بها، وتنوع الأساليب المعبّرة عنه، وبروز فنانون كثر يتبعون هذا النمط الفني بأساليبهم ورؤاهم وطرقهم الفنية في النحت والرسم؛ إلى ظهور مدارس فنية تتبع نمط أو مفهوم الفن الحديث وتتمايز وتتباين في رؤاها الفنية وطرق تنفيذ اللوحات أو الرسومات والمنحوتات والأعمال الفنية التي تتبع لها، ولعلّ أبرز هذه المدارس الفنية التي نتجت عن نمط الفن الحديث هي التي تتبدّى وتتمثل بالتالية:
- المدرسة الفنية الانطباعية
- المدرسة الفنية التعبيرية
- المدرسة الفنية السريالية
- مدرسة الفن البصري
- مدرسة الفن الحركي
- المدرسة الفنية التجريدية
- المدرسة الفنية الوحشية
- مدرسة فن الباوهاوس
- المدرسة الفنية الدادائية
أشهر رسومات عن الفن الحديث وأبرز رساميه
يمكن القول إن أبرز الرسامين والفنانيين الأوائل الذين أسهموا في نشأة الفن الحديث وظهوره وترسيخ أسسه في العالم؛ هم كُلٌ من إداورد ماديه، وفنسنت فان جوخ، وبول سيزان، وجورج سورا، وهنري ماتيس، وبول غوغان، وهنري دي تولوز لوتريك، وجورج براك، وأدريه دبرين، وراؤول دوفي، وجون مبتزينجر، وموريس دي فلامينك، وأنري تولوز لوترك، وغيرهم.
كما لحق هؤلاء الفنايين فنانون آخرون تأثروا بنمط الفن الحديث واتبعوه في أعمالهم مثل كُلٍ من بابلو بيكاسو، وفرناند ليجر، وخوان جريس، وألبرت جلبز، ومارسيل دوشامب، وغيرهم أيضاً.
ولعل أشهر رسومات عن الفن الحديث أو لوحات تُعبّر عن هذا الخط والنمط الفني وتجسده هي التي تتجلى بكُلٍ من اللوحات التالية:
- الفنان فنسنت فان جوخ: ليلة النجوم، وسين جالسة على السلة مع فتاة، والطريق عبر حقل الصفصاف، ودوار الشمس، وفروع شجرة اللوز المزهرة، وآكلو البطاطا، والكنيسة في أوفيرس، وليلة النجوم على نهر الرون.
- الفنان هنري ماتيس: لوحة إمراة بقبعة، وايكاروس، وأناناس.
- الفنان أنري تولوز لوترك: لوحة لا بلانتشيسيوس.
- الفنان بابلو بيكاسو: لوحة غرنيكا، وجيرترود ستين، وآنسات افينيون، وثلاث موسيقيين بأقنعة، وإمراة تجلس على كرسي، وأشكال بارانويا.
- الفنان بول سيزان: لوحة قمة سان فيكتوار، وطبيعة ساكنة مع سلة فواكه.
- الفنان خوان غريس: لوحة بورتريه بابلو بيكاسو، ولوحة كمنجة وغيتار.
- الفنان جان ميتزنجر: لوحة المرأة فوق الحصان.
- الفنان آندي وارهول: لوحة علب حساء كامبل.
- الفنان سلفادور دالي: لوحة أشكال بارانويا، ولوحة إصرار الذاكرة.
- الفنان خوان ميرو: لوحة “رسم”، ولوحة كلب ينبح للقمر.
الفرق بين الفن الحديث والمعاصر
في حين يرتبط مصطلح ومفهوم الفن الحديث بالنوع أو الأسلوب الفني الخاص بالرسم والذي نشأ وبرز بين ستينيات القرن التاسع عشر وسبعينيات القرن العشرين وتحدثنا عنه بتوضيحٍ وافٍ سابقاً في هذا المقال؛ فإن مصطلح ومفهوم الفن المعاصر أو فن ما بعد الحداثة؛ يُعبر عن فنون الرسم والفنون المرئية التي ظهرت منذ سبعينات القرن العشرين حتى يومنا الحالي، وتزامنت مع ظهور وسائل الاتصال الحديثة والثورة الصناعية والنهضة التقنية.
بهذا نكون قد قدّمنا لك في هذا المقال؛ معلومات وافية ومتكاملة عن الفن الحديث، وذلك بما يشمل تعريف ما هو الفن الحديث، وتوضيح أسباب نشأته وظهوره، جنباً إلى جنب مع إبانة أبرز سمات وملامح الفن الحديث وأهم مميزاته، وكذلك الإشارة إلى المدارس الفنية النابعة منه، كما استعرضنا أشهر رسومات عن الفن الحديث وأبرز رساميه، وفصّلنا الفرق بين الفن الحديث والمعاصر.
إذا كنت ترغب بالحصول على المزيد من المعلومات وقراءة العديد من المقالات الأخرى المهمّة والشيّقة؛ فإننا ندعوك لتفقّد مدوّنة بيّوت السعودية والبقاء على اطّلاعٍ بكُلِ جديدٍ أولاً بأول.