لا يتوقف مفهوم الذكاء العاطفي عند ارتباطه بالمشاعر فحسب، ولا تنحصر تجلياته في العلاقات العاطفية دوناً عن غيرها، وإنّما يُمثّل الأمر منهجية تتكامل فيها مجموعة من العناصر بما يُعبّر عن منظومة من الأفكار والمشاعر والسلوكيات التي تدخل في بناء مختلف العلاقات الإنسانية وتوجيه مسارها نحو أفق ومرسىً معيّن.
ولذا؛ فإننا نستعرض في هذا المقال حُزمةً من أهم وأبرز المعلومات عن الذكاء العاطفي بما يتضمن توضيح ماهو الذكاء العاطفي، إلى جانب إبراز اهمية الذكاء العاطفي، وتبيان أنواعه ومجالات توظيفه والاعتماد عليه، كما نخوض بحديثٍ عن كيفية تنمية وتعزيز الذكاء العاطفي، ضِف إلى ذلك المزيد من المعلومات والإيضاحات حول الأمر بإيجازٍ وافٍ.
ماهو الذكاء العاطفي؟
لقد جرى تناول مفهوم الذكاء العاطفي وما يدور في فُلكه من الأفكار بشكلٍ موثّق عبر مسميات وفلسفاتٍ مختلفة منذ مطلع القرن العشرين وتحديداً في العام 1900 من قِبل تشارلز داروين الذي قدّم مفهوم “التعبير العاطفي من أجل البقاء”، وفيما تباينت الأطروحات والتأويلات والتفسيرات حول الأمر على مر السنوات؛ فلقد كان أو طرحٍ صريح وظهورٍ واضحٍ لمصطلح الذكاء العاطفي في العام 1964 حينما أورده أستاذ علم النفس مايكل بيلدوك في ورقة بحثية له، من ثم اكتسب المصطلح شهرة واسعة مع إطلاق كتاب الذكاء العاطفي للكاتب والصحفي دانيال غولمان الذي قدّم تعريف الذكاء العاطفي على أنه مجموعة من المهارات والخصائص التي تُحرّك أداء القيادة.
ومع تراكم الدراسات والأبحاث والآراء عن الذكاء العاطفي؛ غدت هنالك نماذج مختلفة تتمثّل الغاية منها في اختبار الذكاء العاطفي وقياسه، ولعلّ أبرز هذه النماذج؛ كلاً من نموذج السمات، ونموذج القدرة، والنموذج المختلط، وبالنسبة لنموذج السمات الذي طوّره كونستانتينوس فّ. بيتريدس عام 2001، فهو يتبّدى في الإبلاغ الذاتي عن التصرفات والسلوكيات والقدرات الإدراكية، فيما يتجلى نموذج القدرة الذي طوّراه بيتر سالوفي وجون ماير عام 2004، في قدرة الفرد على معالجة المؤشرات العاطفية والاتكال عليها لاستكشاف البيئة الاجتماعية، بينما يأتي النموذج المختلط الذي اشتغل عليه دانيال غولمان في مكانٍ مراوحٍ بين هذا وذاك؛ إذ يجمع بين خصائص نموذج السمات ونموذج القدرة في اختبار الذكاء العاطفي وقياسه.
وبشكلٍ عام؛ فيمكن تعريف الذكاء العاطفي بإيجازٍ وافٍ على أنه منظومة من المهارات الشخصية التي تُعين صاحبها على تمييز وإدراك وتحليل العواطف أو الحالات الشعورية، والتوجهات الفكرية، وأساليب السلوك عبر ملاحظة الإشارات البصرية والسمعية غير اللفظية، من ثم التعامل معها عبر اختيار ما يقابلها ويلائمها من عواطف ومشاعر، وطرق تفكير، وأساليب سلوكية، وذلك لتحقيق الغايات واغتنام الفوائد سواءً لدى التعامل مع الآخرين أو مع الذات الشخصية.
أهمية الذكاء العاطفي
بالرجوع إلى مفهوم الذكاء العاطفي؛ فإننا نجد أنه يرتبط بشكلٍ وثيقٍ بالقدرة على القيادة السليمة وحسن الإدراك والتصرف، إلى جانب التمكّن من التكيّف مع البيئات المختلفة أو الانتقال منها على نحو إيجابي، واختيار أو اتخاذ الخيارات والقرارات الصائبة للتعامل مع الأمور والأشخاص والأحداث، الأمر الذي غدى مُحدداً لتقييم الأشخاص بالنسبة لعديدٍ من الجهات والأفراد، خصوصاً في ضوء تقديم عددٍ من الدراسات المختصة التي قدّمت أطروحات تتلخص فحواها بأن الأشخاص الذين يمتلكون ذكاء عاطفي عالي يتمتعون بصحة عقلية، وأداء وظيفي، وحنكة اجتماعية، ومهارات قيادية أكبر وأكثر فاعلية، سواءً كانت هذه العناصر مجتمعةً أم لا، مما أسهم في وضع العديد من الشركات اختبار الذكاء العاطفي ضمن المحددات والمعايير لتقييم واختيار موظفيها ومسؤوليها بناءً على ذلك.
في المقابل؛ فيواجه مفهوم الذكاء العاطفي وتعميمه انتقاداتٍ تتركز حول ما إذا كان حقيقياً وموجوداً ومنطقياً أم لا، وفيما إن كان يُمثّل قيمة إضافية على نسبة الذكاء وعناصر الشخصية أم لا، إلا أن تحليلاتٍ تحويلية تشير إلى أن مقاييس الذكاء العاطفي تدخل في نطاق قياس نسبة الذكاء العادية وعناصر الشخصية بشكلٍ أساسي أصلاً.
ولا تنكفئ اهمية الذكاء العاطفي ودوره وتأثيره على القطاع العملي فقط، إنما تتجاوز ذلك لتشمل مختلف القطاعات والسياقات الحياتية، وهذا ما سنوضحه تالياً:
أنواع ومجالات الذكاء العاطفي
يمكن أن يتجلى تأثير مهارات الذكاء العاطفي في نواحٍ وعلاقاتٍ إنسانية شتى، مما يحقق رضاً وسلاسة في تحقيق الغايات وإبرام الاتفاقات وسلامة العلاقات، وكما أوردنا مثالاً يُبرز دور الذكاء العاطفي في العمل، فإن أنواع الذكاء العاطفي يمكن أن تتمثّل في العلاقات العاطفية أو الزوجية، وفي العلاقات العائلية، والعلاقات الاجتماعية، وغيرها من العلاقات الإنسانية الأخرى، كما يُسهم الذكاء العاطفي لدى الأطفال بصقل شخصياتهم على نحو إيجابي ومتفوق أيضاً، ناهيك عن إسهام مهارات الذكاء العاطفي في السياقات الأكاديمية، والعلمية، والإبداعية، والسياسية، والأدبية، الاقتصادية، وما سواها من المجالات والأُطر الأخرى، ولقد حدد مجالات مهارات الذكاء العاطفي عدداً من المختصين والباحثين من جهات مختلفة، ليخرجوا بنتائج متباينة ومتقاربة إلى حدٍ ما، وهي التي تمثّلت إجمالاً بالتالية:
- التقاط وتمييز العواطف أو المشاعر، والأفكار أو الآراء، والتصرفات أو السلوكيات الإنسانية
- استقبال العواطف والمشاعر والأفكار والآراء والسلوكيات بوعيٍ من ثم إدارتها ومعالجتها
- التعامل مع المشاعر، والأفكار، والسلوكيات المقابلة بما يلائمها إيجابياً من مشاعر وأفكارٍ وسلوكيات
فيما يمكن تلخيص عناصر الذكاء العاطفي في كونها تتبدى بالتالية:
- الوعي الذاتي وضبط النفس وإداراتها
- التحكم بالعواطف والمشاعر والأفكار والسلوكيات
- الإنصات السمعي
- الإدراك البصري الجيد
- مراقبة لغة الجسد المقابلة والتحكم بلغة الجسد الذاتية على نحوٍ مثمر
- التفكير المنطقي والقدرة على التحليل
- الثراء اللغوي والدهاء في التحدث والذكاء في إدارة الحديث
- القدرة على تحفيز الذات وخلق وتعزيز الدوافع بشكلٍ إيجابي سليم
- التنظيم والانضباط الذاتي
- الخبرات والتجارب والمهارات الاجتماعية الفاعلة
- القدرة على التقاط وتمييز العواطف والمشاعر الإنسانية وإدارتها
- التعامل مع العواطف أو المشاعر، والأفكار أو الآراء، والتصرفات أو السلوكيات بما يقابلها من اختيارات سليمة ودقيقة وملائمة
ويمكننا بناءً على ذلك ملاحظة تحلي الأشخاص الأذكياء عاطفياً بالعديد من الميّزات والمواصفات الإيجابية والفُضلى، التي لعلّ أبرزها ما يلي:
- التصرف بُحسنٍ دون انتظار مقابل فوري
- التسامح ومعالجة الخلافات بفطنة ودهاء
- القدرة على التركيز وسرعة البديهة
- الجمع بين الشجاعة والحكمة
- السيطرة على الذات وغرورها
- المداومة على التحسين والتطوير
- اكتشاف المشاكل وإيجاد الحلول الملائمة لها
- القدرة على حيازة الثقة من الآخرين
- القابلية للتسويق بشكلٍ لائقٍ وفعّال
- التمكّن من تفادي الأجواء السلبية وتغيير المزاج العام إلى الإيجابية
مما يعود على هؤلاء الأشخاص بالعديد من الفوائد المهّمة التي تساعدهم على تيسير حياتهم بطريقة أفضل وأكثر اتزاناً وطمأنينة، بحيث عادةً ما يُمكنهم تنفيذ القيادة الحكيمة، والتواصل الفعّال والمُجدي، كما أنهم قد ينعكس ذلك على تقليصهم لما يبذلونه من جُهد في علاقاتهم وتعاملهم مع الأمور والأحداث، إلى جانب تحقيق الرضا والغايات الإيجابية الجيدة لأنفسهم ومحيطهم أيضاً.
كيفية تنمية وتعزيز الذكاء العاطفي
في حين تشير بعض الدراسات والمُلاحظات إلى أن الذكاء العاطفي قد يكون صفة متناقلة بالوراثة لدى الأشخاص، فإن ذلك لا يحول دون اكتساب مهارات الذكاء العاطفي وتنميتها وتعزيزها حتى تغدو صفةً متجذرة لدى الأشخاص المُقبلين على ذلك، ويمكن اكتساب مهارات الذكاء العاطفي بطرقٍ وكيفياتٍ مختلفة أبرزها الانخراط بشكلٍ أعمق في المجتمع وخوض المزيد من التجارب والخبرات، جنباً إلى جنب مع الحرص على التعلم المستمر وتنمية وتعزيز عناصر الذكاء العاطفي التي أوردناها سابقاً وحثّ النفس على تقمّصها والتحلي بها، ضِف إلى إمكانية حضور دورة الذكاء العاطفي التي تُنظمها جهات مختصة عديدة مما قد يرفد المسجلين فيها بحُزمةٍ كبيرة من التدريبات والمهارات والأساليب الكفيلة بتنمية وتعزيز الذكاء العاطفي لديهم.
بهذا نكون قد قدّمنا لك معلومات وافية وشاملة في هذا المقال عن الذكاء العاطفي بما يتضمن تعريفه، وأهيمته، وتوضيح أنواعه ومجالاته إلى جانب سرد طرق تنمية وتعزيز الذكاء العاطفي أيضاً.
إذا كنت ترغب بالحصول على المزيد من المعلومات وقراءة العديد من المقالات المهمّة والشيّقة؛ فإننا ندعوك لتفقّد مدونة بيّوت السعودية والبقاء على اطّلاعٍ بكل جديدٍ أولاً بأول.