حينما أدركت البشرية حاجتها لتيسير شؤون حياتها على نحوٍ أفضل، وتطوير وسائل معيشتها بشكلٍ يحقق التقدّم السلس والفعّال؛ فإنها لجأت إلى الابتكار الذي سارت عليه من الأزل إلى يومنا الحاضر كسبيلٍ لذلك.
ولقد تمكّن الناس من إحداث فروقاتٍ إيجابيةٍ ملحوظةٍ في الحياة البشرية اعتماداً على انتهاجهم الابتكار في غير وقتٍ ومطرحٍ، مما أسهم وما زال في تحقيق عوامل الازدهار والنماء والراحة وتسهيل الوصول إلى الغايات الإنسانية بصورةٍ بنّاء في كثيرٍ من الأحيان.
وتِبعاً لما قد تحرزه الابتكارات الذكية من فوائد للمصلحة العامّة وما قد تُسهم به في صُنع نهضة حقيقةٍ للمجتمعات، فلقد غدت العديد من المجتمعات والدول في العالم بما في ذلك المملكة العربية السعودية؛ تولي الابتكار أهمية أكبر، وتتسابق في ما بينها في إيجاد أو الوصول إلى الابتكارات الذكية بوتيرةٍ متسارعة تُضيف لما لها من رصيدٍ في هذا الإطار، وتُعلي من شأنها ومكانتها في هذا المضمار وبما يُرسخ نهضتها وتقدمها في المجالات التي تشهد ابتكاراتٍ ذكية وأصيلة من قِبلها في محصلة الأمر.
في هذا المقال، وبناءً على ما لموضوع الابتكار من أهمية وما يحظى به من اهتمامٍ ملحوظ؛ فإننا نسرد بعضاً من أهم المعلومات عن مكانة وحال الابتكار في السعودية، ولكن ليس قبل أن نستعرض تعريف الابتكار ومفهومه بصورةٍ مباشرةٍ وواضحة.
تعريف الابتكار
تُشتق كلمة ابتكار في اللغة العربية من كلمة “بِكر” التي تشير إلى الاستحداث والشيء الذي غير المسبوق أو الذي لا مثيل له، فيما تُشتق كلمة Innovation التي تعني ابتكار في اللغة الانجليزية؛ من الجذر “إينوفير | Innovare” اللاتيني، وهو الذي يشير إلى التغيير والتجديد والتطوير.
وبالتالي فإن المقصود من مفهوم الابتكار؛ هو الإتيان بشيء جديدٍ من قبيل التطوير والتحديث والبناء على عناصر أو معطيات موجودة مسبقاً للخروج بنتيجة جديدة تؤدي وتلبي غاية معيّنة، كما أنها تشكّل قيمة مضافةً للمنجزات البشرية في القطاعات الحياتية المختلفة.
وبناءً على ذلك؛ فقد يتمثل الابتكار بمنتجٍ أو آلةٍ أو خدمةٍ أو مشروع، كما قد تتجلى الابتكارات الذكية بعملية أو طريقةٍ أو آليةٍ انتاجيةٍ وخدماتيةٍ أو تواصليةٍ أو اجتماعية أو ترفيهية حتى، وما إلى هنالك من الأشياء الأخرى التي يُمكن أن يطرأ عليها استحداثات أو تطويرات أو تجديدات.
وفيما يُمكن أن يتولد الابتكار بشكلٍ فرديٍ أو بعملٍ جماعي؛ فإنه ينبغي التنويه هنا إلى اختلاف مفهوم الابتكار عن مفهوم الاختراع، واختلافه كذلك عن مفهوم التحسين؛ إذ يُقصد بالاختراع؛ صنع أو خلق فكرة أو منتج أو خدمة أو أسلوب أي شيء آخر بما يقدم مصلحةً للمستخدمين مع الإشارة إلى عدم وجود هذا الشيء أو العنصر مسبقاً والمجيء به من العدم إلى الوجود وألا يكون تطويراً أو بناءً على شيءٍ آخر كان ممهداً له.
في حين أن التحسين؛ هو ما يدل على تطوير منتجٍ ما أو تحديث أداء نظام معيّن، أو تحسين خدمةٍ محددة على سبيل المثال، مع الحفاظ على سِمات هذه العناصر ودون أن تختلف الغايات المستخلصةِ منها.
بينما يشير الابتكار في هذه المقارنة؛ إلى تغيير النهج المتّبع في أداء أنظمةٍ معيّنة، أو الحصول على نتيجة مختلفة وذات فائدة أهم جرّاء استخدام منتج ما، أو استبدال آلية تقديم خدمةٍ معيّنة بأخرى مغايرة دون أن تفقد هذه الخدمة خواصها مثلاً، وبشكلٍ عام؛ فيُمكن القول أن الابتكار؛ هو إيجاد كيفية للقيام بشيءٍ مختلفٍ عن السائد بطريقة إيجابية ذات جدوى أفضل.
الابتكار في السعودية
في إطار السعي الحثيث الذي تبذله المملكة العربية السعودية نحو الريادة والتقدّم والتطوير، وتماشياً مع رؤيتها للنهضة الشاملة 2030؛ فإنها تولي الابتكار أهمية قصوى وتضعه في مضامين واضحةٍ ومنظمة ومحددة استناداً إلى الهمّة العالية والمعهودة للشعب السعودي وخبراءه ونخبته في هذا الميدان.
وفي سبيل ذلك ذلك، وتحقيقاً لهذه الغاية السامية؛ فلقد بذلت المملكة جهوداً دؤوبةً وأنشأت كياناتٍ وهيئاتٍ متعددة لتتخصص في قطاع الابتكار وتفعيله داخل السعودية، كذلك فلقد وضعت المملكة رؤية وخطةً واضحةً ومحددة المعالم والتوجهات في ما يخص تنمية الابتكار في السعودية أيضاً.
كما تعاون وأسهم أفرادٌ مستقلين وجماعات في الالتفات إلى ضرورة تعزيز وترسيخ نشاطات الابتكار في السعودية، والعمل على تكريس ما يُمكن من الجهود لخدمة وتفعيل هذه المصلحة العامة، وبالإضافة إلى ذلك؛ فلقد ساهم هؤلاء الأفراد في إنشاء الكيانات والهيئات التي تدعم تأسيس بيئةٍ حاثّةٍ على الابتكار وتشكيل مناخ ابتكاري محفّز للمبتكرين في المملكة، ولعلّ أبرز هذه الهيئات أو المؤسسات؛ منتدى الابتكار السعودي الذي يعتمد على صفوة ونُخبة من المتطوعين المتخصصين والخبراء والمهتمين بالابتكار والاقتصاد المبني على المعرفة، إذ يسعى ويعمل هؤلاء المتطوعين من النخبة على تحقيق حُزمةٍ من الأهداف القيّمة والفاضلة في هذا السياق، وفي ما يلي نخوض بتفصيل أعمق حول منتدى الابتكار السعودي.
منتدى الابتكار السعودي
من أجل تعزيز الجهد والفعل الابتكاري السعودي بطريقة مُثلى، وتطلّعاً لجني محصول المملكة من الابتكارات الذكية في سلةٍ واحدة؛ فلقد انطلق منتدى الابتكار السعودي منذ العام 2015 تطلعاً لتحقيق هذه الغايات في سياق جُملة من الأهداف التي تتجلى أهمها في ما يلي:
- تبادل الآراء والاقتراحات والطروحات حول مواضيع الابتكار والاقتصاد المعتمد على المعرفة وريادة الأعمال في السعودية
- تطوير الابتكار وإيجاد الحلول لما يواجهه من مشكلات في المملكة
- المساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني السعودي
- عقد ورش وجلسات التعليم والتدريب والتوجيه والإرشاد
- تحفيز الأفراد، والهيئات والمؤسسات الحكومية والخاصة من خلال برنامج وسطاء الابتكار الذي يقدم ما يحتاجه المبتكرون من خدمات
- الدعم والتمويل المالي للأفكار الابتكارية أو الابتكارات الذكية بشكلٍ مباشر أو عن طريق الربط بين الجهات المانحة والمبتكرين
- تقديم الاستشارات والاستفسارات حول كل ما يتعلق بمواضيع الابتكار
- التنظيم والتنسيق وتقييم الأداء لوسطاء الابتكار
- تحقيق التكامل والتنسيق بين الجهات بين الجهات المنخرطة في ما يتعلق بالابتكار سواء كانت هذه الجهات حكومية أو خاصة، وذلك عبر توفير شبكةٍ من العلاقات بين المبادرين والمبتكرين عن طريق اللقاءات، والندوات، والورش، والمؤتمرات، والمنصات الإلكترونية وما سواها من القنوات والسُبل الأخرى.
ومن الجدير بالذكر؛ أن منتدى الابتكار السعودي أصبح يُعد جزءً من جمعية البحث العلمي والابتكار وهيئة خاضعةً لها وعاملةً تحت مظلتها، فيما تُعد هذه الجمعية غير الربحية قِسماً من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية التي تُعتبر في هذا الصدد بمثابة المنطلق الجامع لأعمال ونشاطات الابتكار في المملكة العربية السعودية والمسؤولة عن تطوير وتحسين حال الابتكار في المملكة.
وفي هذا السياق؛ فلا بُد من من توضيح أوضاع الابتكار في السعودية والإشارة إلى أحواله بلمحةٍ عامةٍ وافيةٍ وموجزةٍ، وهو ما ننتقل إليه تالياً:
حالة الابتكار في السعودية
لقد وضعت المملكة أولويات ومرتكزاتٍ وتوجهاتٍ لنشاطات الابتكار في المملكة خلال العقدين المقبلين بما يُسهم في تعزيز تنافسية المملكة ويُلبي تطلعاتها الريادية على المستوى العالمي، بالإضافةٍ إلى موائمةِ هذه الأولويات والمرتكزات لتوجّهات رؤية المملكة 2030، وتوطيد مكانتها في المنطقة؛ إذ تمثّلت هذه التوجهات بأربعة مرتكزات وأولوياتٍ رئيسية وأساسية تكمن في ما يلي:
- صحة الإنسان
- استدامة البيئة والاحتياجات الأساسية
- الريادة في الطاقة والصناعة
- اقتصاديات المستقبل
وبناءً على ما سبق، جنباً إلى جنبٍ مع ما يجري بذله من جهود وإسهامات في مجالات الابتكار المختلفة، وما تم إنجازه من الابتكارات الذكية في السعودية؛ فلقد صعد ترتيب السعودية 15 درجة ضمن مؤشر الابتكار العالمي للعام 2022، وهذا ما يقودنا إلى معرفة ما هو مؤشر الابتكار العالمي الذي وضع التميز والتقدم السعودي بعين الاعتبار وأطرى وأثنى عليه في مضمار الابتكار العالمي.
مؤشر الابتكار العالمي
لعلّك تتسائل هنا ما هو مؤشر الابتكار العالمي وما الفائدة منه؛ والحقيقة هي أن هذا المؤشّر يجسّ نبض الابتكار في العالم اعتماداً على خلفية بيئة اقتصادية وجيوسياسية يسودها عدم اليقين، ويكشف المؤشر عن الاقتصادات الأكثر ابتكاراً في العالم بترتيب الأداء الابتكاري لاقتصادات نحو 132 دولة، وذلك مع إبراز مواطن القوة والضعف في كُلٍ من هذه الاقتصادات.
ويتجلى الغرض المنشود من مؤشر الابتكار العالمي في تقديم أكمل وأوضح صورة ممكنة عن مشهد الابتكار العالمي، ولذا فإنه يقيس تِبعاً لذلك؛ مجموعة كبيرة من العوامل تصل إلى نحو 80 عاملاً بما في ذلك كُلاً من قياس تقدير البيئة السياسية، والتعليم، والبنية التحتية، وآليات استحداث المعرفة في كل اقتصاد، وما إلى هنالك من القياسات والتحققات الأخرى ذات الصلة، إذ تساعد مختلف المقاييس التي يستخدمها مؤشر الابتكار العالمي؛ على رصد أداء الاقتصادات وتقييم تطوراتها ضمن المنطقة وفئة الدخل ذاتها.
بهذا نكون قد قدّمنا لك بعضاً من أهم المعلومات المتكاملة بإيجازٍ وافٍ عن مفهوم الابتكار وحال الابتكار في السعودية وما يتعلق بذلك من مفاهيم وتفاصيل بما في ذلك الإتيان على توضيح ما هو مؤشر الابتكار العالمي وما إلى ذلك من المعلومات المهمة الأخرى ذات الصلة بالأمر.
إذا كنت ترغب بالحصول على المزيد من المعلومات وقراءة العديد من المقالات الأخرى المهمّة والشيّقة؛ فإننا ندعوك لتفقّد مدوّنة بيّوت السعودية والبقاء على اطّلاعٍ بكُلِ جديدٍ أولاً باول.