وسط أجواء التباعد الاجتماعي وسياسات الحجر الصحي المفروضة حول العالم، بات موضوع تأثيرات فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي يشغل حديث الناس لربّما أكثر من الفيروس نفسه! فكثير من التنبؤات الاقتصادية التي صاحبت انتشار الفيروس حصلت بالفعل، وموجة الركود الاقتصادية ضربت بعمق في عقار السعودية وقطاعات حيوية وصارت تهدد بعض الشركات بالإفلاس لا سيّما في قطاع الفنادق والطيران والضيافة.
القطاع العقاري بطبيعة الحال قطاع مهم بلا شك، وفي السعودية يغدو لأن يكون مفصلياً ورافداً رئيسياً من روافد الاقتصاد تصب فيه الاستثمارات المحلية والأجنبية. فما هي تأثيرات موجة الركود على عقار السعودية وما مستقبل العقار في السعودية بعد هذه الأزمة؟ كانت تلك بعضاً من الأسئلة التي وجهت لضيفنا ذو الخبرة التي تمتد لنحو 15 عاماً في مجال العقارات..
مقابلة خاصة حول تأثيرات كورونا على عقار السعودية
إليكم مجرى المقابلة التي أجريناها مع خبير ضليع في مجال العقارات السعودية، بدأت مسيرته في مجال العقارات عام 2001 منذ تخرجه من جامعة كليفلاند في ولاية أوهايو الأمريكية، وتعددّت خبراته الثرية في العقار بين ادارة العقار وتجارة الأراضي والعقارات التجارية. تنوّعت الأسئلة التي وجهناها لضيفنا الكريم ما بين تشخيص الحالة الاقتصادية القائمة مع تداعيات كورونا واثر فيروس كورونا على قطاع العقار السعودي، كما تطرقنا في الختام لموضوع توقعات العقار السعودي بعد انجلاء الأزمة:
السوق حالياً شبه متوقف ويشهد حالة ركود كما هو واضح للجميع، فما هو أثر كورونا وحالة التباعد الاجتماعي القائمة على السوق العقاري في المملكة؟ وهل يشهد السوق حركة تجارية ولو طفيفة في القطاع العقاري السكني أو التجاري على حد سواء أم يشهد جمود تام؟
النشاط الاقتصادي حالياً يجري وفق أدنى حد ممكن، ما يثير الاستغراب حقاً هو وجود الطلب على العقار ولكنّه معلّق حتى اشعار آخر، ربما تتضح معالم المستقبل في الأيام القادمة. يمكن تلخيص الوضع الحالي كالآتي: لا يزال الناس يرغبون بشراء المنازل بصرف النظر عمّا يحدث من حولهم، لكن ما يحدث حالياً هو تعليق العرض والطلب مع حالة الحجر الصحي المفروضة، لكن الطلب سيستيقظ ويعاود ارتفاقه قبل العرض.
لهذا فإنني أتوقع ارتفاع أسعار العقار بمجرّد أن تعود الأمور لمجراها الطبيعي في المملكة، لكن بناءاً على المعطيات المتوفرة حالياً يمكن القول أنه إذا ما طالت الأزمة الحالية واستمرّت لما بعد أغسطس فإن الأمر سيتطلّب وقت طويل للتعافي من الآثار الاقتصادية لهذه الأزمة، وذلك لأن الحكومة هي الجهة التي تخدم المستخدم النهائي في السعودية، وإذا ما اضطرت الحكومة لتقليل إنفاقها ودعمها لهذا القطاع فإن ذلك من شأنه تبطيء وتيرة الطلب على العقار.
أمّا في حال استمر الدعم الحكومي من خلال برامج ومبادرات وزارة الإسكان على شكل برنامج سكني والقرض المدعوم فإن الطلب سيتزايد مع انكماش في العرض نظراً لعدم قدرة المقاولين وشركات التطوير العقاري على تنفيذ أي مشاريع بناء مع حالة الحجر. بالتالي يظهر جلياً أن قوى العرض في السوق مجمّدة، وإذا استمرّ هذا الجمود في العرض مع استمرار الطلب فإن ذلك سيؤدي في نهاية المطاف لارتفاع كبير في أسعار العقار.
فما هو تأثير الأزمة الحالية على أسعار العقارات في السوق؟ وهل أدى ذلك إلى صعودها أم هبوطها؟
أعتقد أن الأسعار ستنخفض وذلك لعدم قدرة الناس على الخروج والتنقل بحرية وبالتالي عدم قدرتهم على معاينة الوحدات السكنية المرغوبة، لهذا فإن السيناريو الوحيد الممكن في هذه الحالة لإتمام صفقة شراء عقار هو تواجد المشتري على مقربة من الوحدة السكنية المرغوبة، ومن ثمّ التوجه لمحامي يملك رخصة مزاولة في العقارات لاتمام عملية الشراء. كما يتطلّب الأمر إيجاد شخص بحوزته كاش نقدي كافي وليس بحاجة لنيل قرض من البنك. بالتالي يمكن القول أنني أرى السوق يشهد جموداً حتى إشعار آخر، إلى أن تعود قوى العرض والطلب لمجراها الطبيعي وتستكمل أنشطة البناء.
فوسط هذه الظروف الصعبة يمكن القول أن من ينجح في إتمام صفقة بيع عقارية إما محظوظ وإمّا بحاجة ماسة للبيع. لكن مع كل ذلك يبدو الوضع الحالي بمثابة فرصة ممتازة للاستثمار مع هبوط الأسعار وجمود السوق. وبالعودة إلى موضوع أسعار الوحدات السكنية، ولو استمرّت الأسعار بالهبوط خلال الأشهر القادمة لهذا العام فإن الحكومة ستتأذى بالضرورة، لكني لا أتوقع أن تمتد الأزمة لما بعد أكتوبر، والحكومة السعودية بدورها قوية وذات جهاز قانوني متين وفي جعبتها احتياطي نقدي هائل. لهذا أتوقع أن يكون التعافي الاقتصادي في المملكة سريعاً بما يحافظ على عناصر القوّة والتمكّن للحكومة.
لقد ذكرت أن الطلب لا يزال موجوداً نتيجة لبرامج سابقة منبثقة عن وزارة الإسكان مثل برنامج سكني و الإسكان التنموي والقرض المدعوم، لكن سؤالي التالي هو هل سمعت بأي مبادرة أو فكرة لدعم المستفيد النهائي (المواطن) وتحفيز الطلب على العقار؟
في واقع فإننا قد استقبلنا الأسبوع الماضي عدّة رسائل من سكني تشير إلى حدوث بعض الحركات التجارية، لم نسمع حتى الآن عن مبادرة من هذا القبيل، لكن ما أعلمه أن النشاط الاقتصادي شبه متوقف حالياً وذلك لأن الناس ليس بإمكانهم في ظل الحجر المفروض الذهاب إلى موقع الوحدة السكنية ومعاينتها قبل اتخاذ قرار الشراء النهائي.
أعتقد أن الحكومة ستواصل في عقد برامجها الداعمة للمستهلك النهائي وتعزيز نسبة المتملكين للوحدات السكنية وفق أهداف رؤية 2030. لكن المشكلة الأكبر تكمن في قطاع العقارات التجارية، فالمداخيل توقفت تماماً في مثل هذا النوع من العقارات نظراً لأن المستأجرين في الأسواق التجارية ومتاجر التجزئة لا يستطيعون مزاولة أي نشاط تجاري بالشكل المعتاد. فلعلّ المتضرّر الأكبر من هذه الأزمة هم أصحاب المجمعات التجارية وملّاك العقارات التجارية بكافة شرائحهم.
حسناً، هذا يقودنا إلى السؤال التالي: هل توفر وزارة الاسكان أو أي من هيئات الحكومة أي مبادرات لتحفيز الوضع في العقارات التجارية التي تعاني من ركود تام؟
قبل الإجابة على سؤالك، لنأخذ على سبيل المثال أبو ظبي، فقد تم الإعلان في العاصمة الإماراتية عن خصم بنسبة 20% على جميع العقارات التجارية للإيجار، لنفترض مثلاً أنك تملك متجراً في أبو ظبي فهذا يعني أنك ستحصل على خصم بقيمة 20% على الايجار الشهري أي ما يعادل إعفاء لمدة شهرين ونصف من دفع الايجار الشهري!
أعتقد أن بقية البلدان ستسير على نفس المنوال، فالأمر معقّد وشائك من ناحية العقارات التجارية خصوصاً أصحاب المجمعات والمحلات التجارية الذين يمكن اعتبارهم المتضرّر الأكبر من أزمة كورونا! فمن المنطقي القول أن طالما أن صاحب المتجر (المستأجر) غير قادر على فتح متجره واستقبال الزبائن طيلة أيام الحجر فهذا يقتضي بالضرورة عدم تمكنه على سداد أقساط الإيجار الشهري.
والجهات الوحيدة القادرة على تسديد مستحقات صاحب المجمع التجاري (المؤجر) هم البقالات التي توفر مستلزمات الطعام والخضراوات والخبر الأساسية والصيدليات. أما المطاعم فقصتها مختلفة، ففروع المطاعم في المولات مثلاً مغلقة كلياً أما الفروع الأخرى فيسمح لها بتوصيل الطلبات للزبائن، وهذا يعني أنها لا تعمل بكامل طاقتها الانتاجية، ويتفاوت الضرر الناجم هُنا بحسب نوع المطعم. في المطاعم التي تقدم الأطباق والوجبات غير الرسمية تشكل طلبات التوصيل 50% من مبيعاتها، وهنالك المطاعم الفاخرة المختصة بإعداد الولائم والأطباق التي تصلح للمناسبات فهي الخاسر الأكبر في هذه الحالة. أخيراً هنالك مطاعم الوجبات السريعة التي تشكل طلبات التوصيل حوالي 25% من مبيعاتها والتي لا تعمل حاليا بكامل طاقتها نظراً لغياب كادر العمال والموظفين عن الحضور إلى العمل.
هل لديك رسالة أخيرة ترغب بتوجيهها لكافة الأطراف العاملة في القطاع العقاري السعودي؟
بالرغم من الأيام الصعبة التي نعيشها بفعل اثر كورونا على الاقتصاد إلا أنها تعتبر الفرصة الأمثل للاستثمار، نعم، هي فرصة ما بعدها فرصة للمهتمين بالاستثمار في السوق العقاري! أعتقد أن الصيف القادم سيشهد تعافي أسرع ممّا نتصوّره، فالأمور وإن تدهورت بشكل متسارع اقتصادياً إلا أنها ستتعافى بوتيرة أسرع ممّا نتخيله.
العقبة الأكبر الناجمة عن فيروس كورونا تتلخص في عدم قدرة الزبون المحتمل من معاينة المنزل أو الوحدة السكنية في ظل حالة التباعد الاجتماعي القائمة، فالمنزل أو الشقة أصل ثمين ومفصلي يدّخر بعض الناس تعب حياتهم لأجله لهذا لا بُدّ من معاينته مباشرة بزيارة الموقع وتفحّص مرافقه والتجوّل في غرف وارجائه لكي تصل إلى قناعة كافية تسعفك على اتخاذ قرار الشراء من عدمه، وذلك بعكس المقتنيات البسيطة مثل الألبسة والاكسسوارات التي يمكن شراءها بمجرّد رؤية إعلان عن الانترنت أو تصفّح موقع تجارة الكترونية.
نصيحة أخيرة، لا يمكن الإغفال عن ذكر أهمية اتباع أساليب ذكية في التسويق الالكتروني لتذليل العقبات أمام الشراء في أوقات الحجر، فعلى سبيل المثال أحد أصدقائي أخبرني عن منزل حاز على اعجابه بعد رؤية اعلان على الانترنت يعرض تصميمه ومظهره من الداخل والخارج وقال لي أنّه سيهم بشرائه بمجرّد أن تزول حالة الحجر ويسمح للناس بالتنقل بحرية، يبدو لي جاداً حقاً في قراره ويتبقى بضعة أمور ثانوية يجب معاينتها على أرض الواقع خلال زيارته للموقع قبل توقيع عقد الشراء النهائي.
وبهذا انتهينا هذه المقابلة مع الخبير العقاري، وقد خضنا من خلالها في غمار تفاصيل انعكاسات كورونا على قطاع العقار في المملكة وتداعيات حالة التباعد الاجتماعي المفروضة على أسعار عقار السعودية وسوقها، يمكنك الاطلاع على مواضيع تخص أزمة كورونا مثل مقابلة مع شخص أجرى فحص كورونا في المملكة وجائحة كورونا وأسعار العقار السعودي.. إلى أين سنصل؟ على مدونة بيوت السعودية التي تأتيك بكل ما هو جديد ومفيد عن سوق العقارات السعودية وأخباره.