بينما تبذل الحكومات الجهود والمساعي الحثيثة لمكافحة تفشي فيروس كورونا، يأتي ذلك على حساب العواقب الاقتصادية الوخيمة للفيروس على اقتصاد الكوكب برمّته، فالأولوية القصوى للحكومات والمسؤولين والقادة من حول العالم للتصدي لفيروس كوفيد-19 المستجد. وبالتالي أصبح من المنطقي القول أن الاقتصاد بعد كورونا لن يعود لسابق أوانه قبل تفشي الفيروس. فما هي عواقب ازمة كورونا على الاقتصاد العالمي ككل؟
الاقتصاد بعد كورونا
يتنبأ بعض المحللين الاقتصاديين بطوفان تسونامي يجرف الاقتصاد، تبعاً لسياسات التباعد الاجتماعي التي سنتها الدول والحكومات والتي تقتضي منع التجمعات البشرية وفرض حظر تجوّل وتعليق الدوام في الشركات والمدارس والجامعات، والاستعاضة عن ذلك بالعمل عن بعد من المنزل في حالة كوادر الموظفين والتعلم عن بعد في حالة طلبة المدارس والجامعات. فالأمر لا يحتمل حالة الفوز لكل الأطراف، ولا بدّ من التضحية بأحد الاعتبارات لصالح رجحان كفّة الآخر، وفي حالة ازمة كورونا فإن سياسات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي لمكافحة تفشي الفيروس ستضحي حتماً بعجلة الاقتصاد وتؤدي نحو الركود الاقتصادي. بخلاف أزمة الرهن العقاري التي عصفت ببنوك أمريكا عام 2008 وعمّت تداعياتها حول العالم لتهز أركان الاقتصاد العالمي، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ظلت تحاول لدفع عجلة الاقتصاد على الرغم من الانهيارات المالية الحاصلة في البنوك، فما تغيّر هو السلوك الاقتصادي مع تدخّل يد الدولة لإنقاذ البنوك وسائر المؤسسات المالية.
ما حصل في أزمة 2008 هو فجوة مخرجات، أي الفرق بين ما يمكن أن ينتجه الاقتصاد وبين ما كان ينتجه من قبل. والحل الفعال في أزمة كهذه يبدو بسيطاً ويتلخص في إغراقه بالمال على شاكلة الاستثمار في مشاريع البنية التحتية وتوفير النقد للعائلات. فإذا ما أحجمت الشركات والأفراد عن صرف المال، فعلى الحكومة إذا أن تقوم بذلك بالنيابة عنهم، خالقة بذلك قوى الطلب اللازمة لإعادة دوران عجلة الاقتصاد. مكمن الخلل الحاصل في أزمة 2008 هو عدم صرف المال الكافي من الحكومة لسد الفجوة في الطلب.
تداعيات ما يحصل من ركود اقتصادي
يبدو الأمر في أزمة كورونا الحالية مختلف تماماً عن ما حصل في أزمة 2008، إذ كان الاقتصاد يعمل بينما تجمّد الائتمان لدى البنوك والمؤسسات المالية المُقرضة. فما يحصل حالياً ليس بأزمة مالية تتكفّل الحكومة بضخ الأموال لإذابة الجليد الحاصل في سلاسل الاقتراض، ما يحصل فعليا هو توقف الإنتاج الاقتصادي لأجل غير مسمّى لمواجهة تفشي فيروس كانتشار النار في الهشيم، مما ينذر بحصول أزمة اقتصادية عالمية. ووفق بعض المحللين الاقتصاديين، فإن تداعيات ازمة الركود بسبب الكورونا سيأتي على هيئة موجات متعاقبة، وكل منها سيراكم ما أحدثته الموجة السابقة، وهكذا دواليك.
الموجات القادمة من انهيار الاقتصاد العالمي
إذا ما عدنا بالزمن للوراء شهراً واحداً فقط، كان الناس يزاولون حياتهم الطبيعية بالذهاب لأماكن عملهم يومياً، يأكلون في المطاعم، يدفعون ثمن رحلاتهم الجوية، يدفعون أقساط سياراتهم، يبحثون عن منازل جديدة بقصد الشراء أو الايجار، ويعقدون المؤتمرات وهكذا. أما الآن، فأغلب المصانع متعطلة والشركات بدأت في إعادة حساباتها المالية للتعويض عن توقف الحركة الاقتصادية. فلو أخذنا مؤشر الناتج القومي الاجمالي كمعيار لأداء الاقتصاد، فإنه من المتوقع أن ينخفض الناتج القومي الإجمالي. فعندما تتوقف عجلة الاقتصاد عن الدوران، فإن الناتج المحلي الإجمالي سينحسر بطبيعة الحال، وسيفقد العمال وظائفهم وفي هذه اللحظة تكون الموجة الثانية قد حلّت، وبعض الخبراء يقول أن تداعياتها بدأت بالظهور فعلاً، فمؤشرات البطالة تتزايد باستمرار عالمياً ممّا قد يؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار الاقتصاد العالمي ككل.
ازمة الاقتصاد بعد كورونا في قطاع الأعمال
الموجة الثالثة والأخيرة تتجلّى في قطع الاستثمارات في قطاع الأعمال وعالم المال، مثل توقف تلك الشركة العالمية أو الاقليمية عن افتتاح مصنع لها كان يتوقع لها أن يخلق طاقة تشغيلية، وتلك المؤسسة الاعلامية التي ستتراجع عن إطلاق سلسلة منشورات جديدة، وغيرها من الشركات والمؤسسات من مختلف القطاعات التي ستنزع نحو الاكتفاء بما هو الحال عليه مع السعي لتقليل حجم الإنفاق الذي سينجم عنه تسريح موظفين.
قد لا يكون الأمر بتلك السوداوية، ويلوح ضوء في نهاية النفق المظلم هذا، نفق الاقتصاد بعد كورونا ، ويتم اكتشاف لقاح فعال أو ابتكار علاج جذري تثبت فعاليته وجدواه ممّا يسارع بحل أزمة الركود الاقتصادية الحالية التي ما زلنا في بداياتها، وبالتالي الحيلولة دون حدوث انهيار اقتصاد العالم بأسره. فلعلّ القادم أفضل، أو لنقل أقل سوءا بلغة الأزمات!
يمكنكم متابعة مقالنا حول جميع الحقائق عن مرض كورونا ورؤية الخريطة الالكترونية التي تحدث باستمرار بأعداد المرضى. ويمكنكم الاطلاع أيضاً على مقابلتنا مع الدكتور محمد كمال حول جميع الحقائق المتعلقة بفيروس كورونا، ومقابلتنا مع شخص تم فحصه في المملكة العربية السعودية للشك بإصابته بفيروس كورونا.
وتابع أحدث المستجدات حول كيف تعاملت السعودية لمواجهة الكورونا، ويمكنك أيضاً معرفة آخر التقارير والتعليمات من منظمة الصحة العالمية حول فيروس كورونا. وقم بالاطلاع على المزيد من المواضيع المتعلقة بالمملكة العربية السعودية على مدونة بيوت السعودية العقارية الشاملة.