تعتبر الفنون الصخرية في حائل من أهم روائع التراث العالمي، حيث تم إدراجها على قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 2015، حيث إن هذه الرسومات والنقوش لا تمثل مجرد أعمال فنية، بل هي نافذة نطل من خلالها على حياة الإنسان القديم في شبه الجزيرة العربية. بالإضافة إلى قيمتها التاريخية والثقافية، وتعد هذه الفنون وجهة سياحية جاذبة، حيث يأتي الزوار من مختلف أنحاء العالم للاستمتاع بجمال الطبيعة واكتشاف كنوز الماضي، وفي هذا المقال سنتعرف سويًا على المزيد من المعلومات حول هذه الفنون.
تقع مدينة حائل في شمال غرب السعودية، وهي من المناطق الغنية بالتاريخ والثقافة، وتعد واحدة من أهم الوجهات الأثرية في العالم بسبب وجود فنون صخرية تعود إلى آلاف السنين. كما تشكل هذه الرسوم والنقوش الصخرية ما يمكن تسميته بـ متحف مفتوح للفنون الصخرية ، حيث إنها تعبر عن حياة المجتمعات القديمة التي عاشت في المنطقة، وتتفاعل مع الطبيعة والحيوانات من حولها. بالإضافة إلى ذلك تمثل هذه الفنون سجلاً حيًا لحضارات ما قبل التاريخ، كما تعكس الفهم الإنساني العميق للبيئة والعالم المحيط به في ذلك الوقت.
أنواع الفنون الصخرية في حائل
إن الرسومات الموجودة على الصخور هي عبارة عن لوحة فنية تاريخية، تتراوح أعمارها ما بين 7,000 إلى 9,000 سنة. وهذه النقوش لا تعبر فقط عن الذوق الفني للمجتمعات القديمة، بل تعتبر أيضًا وسيلة للتواصل وتوثيق الأحداث والطقوس الاجتماعية، وتباينت الفنون الصخرية بحائل بحسب الفترة الزمنية التي أنجزت فيها، ففي العصور الأولى كانت مقتصرة على مهارات الحفارين البدائية والأدوات البسيطة المتاحة، فقد اعتمدوا على أدوات حجرية بسيطة لنحت الصخور، مما جعل تفاصيل الرسومات محدودة، وتطلبت هذه العملية آنذاك جهداً كبيراً ومهارة عالية، خاصة مع صلابة الصخور، ومع مرور الزمن، تطورت أدوات النحت واستخدم الحديد لاحقاً، مما سمح بتنفيذ رسومات أكثر تعقيداً ودقة.
وبسبب صعوبة الأسطح الصخرية كان التعرف على أنواع الحيوانات المصورة يعد أمرًا صعبًا، فكانوا يستخدمون أسلوب النحت الكلي لنحت الفنون الصخرية في حائل والذي يعد أحد أصعب أساليب الرسم الصخري، وفي بدايات تنفيذ الرسومات والنقوش لم تكن الأدوات المستخدمة في النقش كثيرة، فقد كانت تقتصر على إزميل بسيط من الحجر، ومن بعدها تم استخدام الحديد بعدها بفترات طويلة، وبالإضافة إلى الإزميل كانت ترافقه مكشطة من أجل حذف الأجزاء غير المرغوب فيها، ومن ثم كانوا يعمدون إلى تنعيم الصور من خلال حكها بأداة من الحجارة، وفيما يلي أنواع الفنون الصخرية:
الأشكال الآدمية
إن أحد أشكال الفن الصخري كانت رسم أشخاص بشرية، وبالطبع هذه الرسومات هي تمثل الإنسان في عصور ما قبل التاريخ، حيث تميل القامات إلى أن تكون طويلة، وجميعها تشير إلى أشخاص من الذكور، يرتدون أزرًا من العشب، بالإضافة لبعض أغطية الرأس، وفي أحد الرسومات يظهر شخصان يستخدمان أدوات معقوفة، وشخص آخر يحمل قوسًا وسهمًا، وتختلف الأشكال الآدمية من حيث الشكل ومن حيث أسلوب التنفيذ خلال الحقب المختلفة، فبعضها تشكل أشكال آدنية عودية؛ وبالمقصود بالآدمية العودية هي التي تتكون من خطوط بسيطة قد تركز إلى أطراف مرسومة بشكل بسيط جدًا وبأقل التفاصيل الممكنة.
كما يوجد أشكال آدمية لرؤوس مقنّعة دائرية الشكل، وتخرج منها عصي تشبه الرايات، علاوة على ما سبق توجد أشكال آدمية تجريدية شديدة التخطيط، والتي غالبًا ما تكون عملية رسمها معقدة، ويمكن أن تميزها من خلال مقارنتها بالرسومات المقترنة بها.
الأشكال الحيوانية
تتميز الفنون الصخرية في حائل الثمودية بنقوش بارزة تصور بشكل رئيسي الإبل مع نصوص تحدد ملكيتها، كما تظهر حيوانات أخرى كالنعام والكلاب والوعل والنخيل، مما يشير إلى نمط حياة رعوي للرحل، وتضم هذه الفنون أيضاً رسومات ملونة لحيوانات مثل الأُرخُص، باستخدام ألوان الأحمر البني والأرجواني، كما تشير هذه الرسومات إلى أهمية الإبل والحيوانات الأخرى في حياة المجتمع الثمودي، وتدل على قدراتهم الفنية في توثيق حياتهم اليومية.
الأسلحة
توجد أيضًا نقوش لمجموعة من الأسلحة التي كان قد استخدمها الإنسان، سواء خلال عصور ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية، وكانت هذه الأسلحة مصنوعة من الخشب والحديد والبرونز، ومن هذه الأسلحة: السهام والأقواس؛ والتي تعد أقدم الأسلحة في شبه الجزيرة العربية وأكثرها شيوعًا، بالإضافة إلى ذلك فإن الرماح كانت أحد الأسلحة التي تظهر بشكل كبير في هذه النقوش، ويعتقد البعض أنها ظهرت في العصر الحديث، بالإضافة إلى الدروع والتي ظهرت مقرونة بالرجال الذين يقبضون عليها باستخدام اليد اليسرى، ويحملون السلاح في اليد اليمنى.
مواقع الفنون الصخرية في حائل
تقع أهم مواقع الفنون الصخرية في منطقتي جبة والشويمس، حيث تغطي الرسوم الصخرية جوانب عديدة من حياة الإنسان القديم كما سبق الذكر، وتتميز هذه المواقع بجمال رسوماتها وتفاصيلها الدقيقة التي تنقل مشاهد من الصيد، وتصور الحيوانات التي كانت تعيش في المنطقة، مثل النمور والجمال والوعول، فضلاً عن تمثيلها للإنسان في أوضاع مختلفة مثل الرقص والصيد، وفيما يلي تفاصيل أكثر حول هذه المواقع:
موقع جبة
يعد موقع جبة أحد أشهر المواقع الأثرية التي تحتوي على الفنون الصخرية، ويقع على بعد حوالي 100 كيلومتر شمال مدينة حائل، وتبلغ مساحتها حوالي 12,000 كيلومترًا مربعًا، ويتميز الموقع برسومات ضخمة ونقوش محفورة على وجه الصخور العالية، كما توثق هذه الرسومات الحياة اليومية للبشر القدامى، وتضم مشاهد لصيد الحيوانات ورقصات جماعية، فضلاً عن تصوير مخلوقات كانت تجوب تلك الأرض في الأزمنة القديمة.
وما يميز جبة هو تنوع الرسوم والفترات الزمنية المختلفة التي تمثلها، مما يجعلها متحفًا مفتوحًا للفنون الصخرية، حيث يستطيع الزائرون رؤية تطور الفنون عبر العصور. في الوقت الحالي، يتم بذل جهود كبيرة للحفاظ على هذه الآثار من التآكل والتلف، سواء بسبب عوامل الزمن أو العوامل الطبيعية.
موقع الشويمس
أما فيما يتعلق بموقع الشويمس، والذي يقع في جنوب غرب منطقة حائل، وتزيد مساحته على 50 كيلومترًا مربعًا، فهو موقعًا آخر مهمًا يضم مجموعة من الفنون الصخرية في حائل التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ. وتتميز رسومات الشويمس بتفاصيلها الدقيقة، والتي تشمل مشاهد للصيد باستخدام الأقواس والسهام، إضافة إلى تصوير حيوانات ضخمة كانت تعيش في المنطقة مثل الأسود والجواميس.
وزيادة على كل ما سبق تحتوي الصخور في الشويمس على نقوش تدل على عبقرية فنية وتعبير عن الحياة الروحية لتلك المجتمعات، كما توجد بعض الرسومات التي تظهر تفاعلات إنسانية بين الأفراد، مما يعكس تواجد حياة اجتماعية منظمة قد تكون شبيهة بتجمعات القرية البدائية.
بيوت صخرية في حائل
إلى جانب الفنون الصخرية، تضم منطقة حائل أيضًا بيوتًا صخرية، والتي تعد جزءًا من التراث المعماري القديم للمنطقة، وهذه البيوت كانت تنحت في الصخور بشكل متقن ومهارة عالية، وتعد مثالاً على أسلوب الحياة البسيط والابتكاري الذي اعتمد عليه الناس آنذاك. حيث كان استخدام الصخور في بناء المنازل ضروريًا في تلك البيئة الصحراوية القاسية، حيث وفرت الحماية من الحرارة الشديدة خلال الصيف والبرد القارس في الشتاء، وتعد هذه البيوت الصخرية في حائل جزءًا من التراث الثقافي للمنطقة، وهي تشكل مع الفنون الصخرية منظومة متكاملة تعكس ذكاء الإنسان القديم في التعامل مع بيئته واستغلال الموارد الطبيعية المحيطة به.
وفي الختام تم التعرف على الفنون الصخرية في حائل والتي تشكل وتمثل حياة الإنسان على مر العصور، كما تم التعرف على أنواع وأشكال هذه الفنون والنقوش والتي كانت تمثل الأشكال الآدمية والأشكال الحيوانية والأسلحة وغيرها، علاوة على ما سبق تم الحديث حول مواقع هذه الفنون، حيث أنها تقع في كل من جبة والشويمس في حائل، والتي يتردد الزوار عليها من أجل الاستمتاع بمشاهدة الفن البديع في رسم هذه النقوشات، وفي النهاية تم الحديث حول البيوت الصخرية كذلك، حيث توجد العديد من البيوت الصخرية في المدينة، والتي كانت تنحت بالصخور وتمثل الآن جزءًا من التراث الثقافي للمنطقة، وتم ذكر المزيد والعديد من التفاصيل الأخرى.
إذا رغبت بالتعرف على معلومات أخرى حول فن القط العسيري، يمكنك الاطلاع على مدونة بيوت السعودية.