بعد نجاحٍ لافتٍ وصدى واسع، اختتمت مدينة حائل فعاليات مهرجان حرفة 2025 الذي أقيم في الفترة من 5 إلى 9 يناير في رحاب قصر القشلة، ذلك الصرح التاريخي الذي تحوّل إلى منصة عالمية تحتفي بالحرف اليدوية السعودية. المهرجان، الذي استقطب آلاف الزوار من داخل المملكة وخارجها، لم يكن مجرد حدثٍ عابر، بل كان احتفاءً بتراث الأجداد وإعلانًا عن مستقبل واعد للحرف اليدوية، حيث جمع بين أصالة الماضي وطموحات المستقبل.
على مدار خمسة أيام، تحوّلت أروقة قصر القشلة إلى ساحة حيّة تعجّ بالإبداع والتفاعل، حيث شارك أكثر من 60 حرفة يدوية من مختلف مناطق المملكة، لتُقدّم للزوار تجربة غنية بالثقافة والتاريخ. اختيار قصر القشلة كموقع للحدث أثبت أنه القرار الأمثل، حيث أصبح المكان رمزًا للجمع بين الأصالة والحداثة، وذكّر الجميع بأن التراث ليس مجرد ذكريات، بل هو أساسٌ لبناء مستقبلٍ مزدهر.
تاريخ قصر القشلة

بُني قصر القشلة عام 1941م على يد الأمير عبدالعزيز بن مساعد آل سعود، ليس كمجرد مبنى حكومي، بل كرمزٍ لعراقة حائل وتاريخها العسكري والثقافي. تتربع واجهته المهيبة من الطين والنقوش النجدية على مساحة 10,000 متر مربع، لتحكي قصصًا عن حقبةٍ كانت فيها حائل مركزًا للقوافل التجارية والحضارات. بعد ترميمه عام 2019، تحول القصر إلى متحفٍ مفتوح ووجهة ثقافية تستقبل أكثر من 50,000 زائر سنويًا، حيث تُعرض في أروقته مخطوطات نادرة وأسلحة تاريخية تعود إلى قرون مضت.
لم يكن اختيار القصر موقعًا لاستضافة مهرجان حرفة 2025 مجرد صدفة، بل لأنه القلب النابض لهوية حائل. يقع في مركز المدينة القديمة، حيث يُحيط به سوق الزند التاريخي ومسجد القشلة، مما يجعله نقطة جذب سياحية تدمج بين التراث والاقتصاد. وفقًا لإحصاءات هيئة السياحة السعودية، زادت أعداد السياح إلى حائل بنسبة 40% منذ تحويل القصر إلى مركز ثقافي، وهو ما يؤكد قدرته على جعل التاريخ حيًا في ذاكرة الزوار. اليوم، لم يعد القصر مجرد حجارةٍ وطين، بل منصةٌ تُعيد إحياء الماضي لتصنع منه مستقبلًا واعدًا.
مهرجان حرفة 2025 بتفاصيله وأرقامه
- 5–9 يناير 2025 (5–9 جمادى الثانية 1446 هـ)، من الساعة 9 صباحًا حتى 10 مساءً
- تولى تنظيمه إمارة منطقة حائل بالشراكة مع هيئة تطوير منطقة حائل
- استقطب المهرجان أكثر من 30 ألف زائر، بمشاركة 70 ورشة عمل و15 دولة عَرَضت نماذجًا من حرفها التراثية
عدد الحرف اليدوية المشاركة في مهرجان حرفة 2025
جمع مهرجان حرفة 2025 بين عبق الماضي وإبداع الحاضر، ليقدم لوحة فنية تحتفي بالمهارات اليدوية المتوارثة والتقنيات الحديثة. بمشاركة 30 حرفة متنوعة، استطاع المهرجان أن يجمع بين الحرفيين التقليديين ورواد الأعمال المبتكرين في تجربة فريدة تعكس روح الأصالة والتجديد.
الحرف التقليدية
شهد المهرجان مشاركة 20 حرفة تقليدية تحمل عبق الماضي، مثل السدو (نسيج الصوف الذي تُحيكه أيادي البدو)، والتلي (تزيين الملابس بخيوط ملوّنة)، وصناعة الفخار التي ما زالت تحافظ على تقنيات التشكيل اليدوي منذ قرون. هذه الحرف ليست مجرد أدوات، بل قصصٌ حية عن حياة الأجداد وتحدياتهم.
الحرف المعاصرة
لم يتوقف الإبداع عند حدود التراث، بل امتد ليشمل 10 حرف معاصرة تدمج بين التقنيات القديمة والتصاميم العصرية. من أبرزها النقش الرقمي على الخشب، حيث تُستخدم الليزر لإنتاج لوحات فنية دقيقة، والتصميمات الحديثة للحقائب والمجوهرات المستوحاة من التراث النجدي.
الحرف النسائية
تميزت 30 حرفة يدوية بإبداع النساء، مثل التطريز الذهبي الذي يُزين عباءات المناسبات، وصناعة الحلي من النحاس المُطعّم بالأحجار الكريمة. هذه الحرف لم تُثرِ الزوار بجمالها فحسب، بل قدّمت نماذج ملهمة عن كيف تُحوّل المرأة المواد البسيطة إلى تحف فنية تُسهم في تنمية المجتمع اقتصاديًّا.
2025 عام الحرف اليدوية .. لماذا؟

الحرف اليدوية وعاءٌ للتراث السعودي، تحفظ قصص الأجداد وتُورّث للأجيال القادمة ولها أبعاد إقتصادية عديدة:
- خلق فرص عمل جديدة للحرفيين
- تنويع مصادر الدخل عبر تحويل الحرف إلى منتجات قابلة للتسويق
- دعم أهداف رؤية 2030 في تعزيز الاقتصاد المحلي
هيئة تطوير منطقة حائل
تشكل مبادرات هيئة التطوير القوة الدافعة وراء مهرجان حرفة 2025، حيث تنطلق من رؤية استراتيجية تهدف إلى تحويل حائل إلى وجهة سياحية واقتصادية متكاملة. يحتفي المهرجان بأرث الحرف اليدوية ويبرز قيمتها الثقافية والاقتصادية، مما يجسد التقاء التراث والإبداع عبر أيادي الحرفيين، ويعكس توجه المملكة في تسمية عام 2025 بعام الحرف اليدوية.
ويُعد المهرجان منصة فريدة لتطوير مهارات الحرفيين ودعم الأسر المنتجة، إذ يوفر بيئة تعليمية متخصصة للتدريب العملي والتطوير المهني. كما يسهم في التكامل مع القطاع السياحي من خلال فعاليات مبتكرة تجمع بين الثقافة والتراث والتجارب السياحية، مما يدعم تحقيق أهداف رؤية 2030 على الصعيدين الاقتصادي والثقافي.
- ورش عمل ودورات تدريبية متخصصة لتطوير الكفاءات والمهارات
- توفير الاستشارات والتوجيه لتعزيز جودة المنتجات الحرفية
- تنظيم فعاليات ثقافية وسياحية لتعزيز التراث وجذب الزوار
في ختام رحلتنا عبر عالم التراث والحرف، يتجلّى دور مهرجان حرفة 2025 في توثيق الهوية وبناء الاقتصاد المحلي. من خلال إبراز المهارات الحرفية وترسيخ الفنون التقليدية، يُعد المهرجان جسرًا يربط بين الماضي العريق والحاضر الزاهر، مما يفتح آفاقًا جديدة لصناعة التاريخ والمشاركة في صنع مستقبل مشرق قائم على الإرث والثقافة.
ندعوكم لزيارة مدينة حائل والمشاركة في هذه التجربة الفريدة التي تجمع بين الأصالة والحداثة. كما نشجعكم على متابعة مدونة بيوت السعودية وقراءة مقالنا الخاص عن مهرجان الفقع ومهرجان العسل الدولي، حيث ستجدون تفاصيل ملهمة ومعلومات قيمة حول فعاليات تُبرز ثراء تراثنا وتنوع ثقافتنا.