تُعدّ مقبرة البقيع ، أو بقيع الغرقد كما يُطلق عليها البعض، من أقدس وأشهر المقابر الإسلامية في العالم، وذلك لما تحتويه أضرحة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام، ناهيك عن العديد من كبار المسلمين عبر العصور. في هذا المقال، سنتعرف على موقع هذه المقبرة، ومكانتها الدينية والتاريخية. كما سنلقي نظرة على أشهر المعالم الإسلامية الموجودة فيها.
حول مقبرة البقيع
تقع خريطة البقيع في الجهة الجنوبية الشرقية من المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة. وتبلغ مساحتها حوالي 180 متر مربع. وقد كانت أرض البقيع مغطاة بأشجار الغرقد حين وصول النبي محمد صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة من مكة المكرمة. ولذلك سميت ببقيع الغرقد.
الأهمية الدينية عند زيارة البقيع
يقصد هذه المقبرة سنويًا العديد من الحجاج والمعتمرين، ليشاهدوا معالمها الإسلامية البارزة، ويدعوا ويستغفروا لأهلها. وذلك اتباعًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان عليه السلام يزور المقبرة ليلاً ونهارًا للدعاء إلى أهل البقيع والاستغفار لهم.
تاريخ البقيع
تعد البقيع أقدم مقبرة للمسلمين في المدينة المنورة. فقد أنشئت عندما هاجر رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، فقد احتاج المسلمين إلى مقبرة ليدفنوا فيها موتاهم، فاختار لهم النبي منطقة البقيع. وكان الصحابي أسعد بن زرارة أول من صحابي من الأنصار يدفن في البقيع. أما أول من دفن فيها من المهاجرين فقد كان الصحابي عثمان بن مظعون. وهو الرفيق الأول من أصحاب النبي الذين دفنوا في المقبرة. فقد شارك النبي بنفسه في الدفن، وكان يزور قبره في مناسبات عدة ليدعو له.
البقيع على مر العصور
شهدت البقيع في العصر الأموي توسعًا في البناء، حيث بنى فيها الصحابي محمد بن الحنفية بيتًا له، ثم دفن فيها بعد وفاته. كما دفن فيها خلال هذا العصر الصحابي عثمان بن عفان رضوان الله عليه. أما في العصر العباسي فقد تم توسيع المقبرة مرة أخرى، وذلك بعدما دفن فيها العباس بن عبد المطلب عمّ رسول الله عليه السلام، حيث دفن في دار عقيل. كما دفن فيها خلال العصر العباسي لإمام الحسن المجتبى والإمام السجاد، والإمام الباقر، عليهم السلام. ثم قام هارون العباسي الذي حكم في سنة 170 هـ إلى 193 هـ، بتعمير وتوسيع قبور أئمة البقيع. وقد ذكرت بعض النصوص أنه تم إعادة بناء قبة أئمة البقيع في زمن السلاجقة. وفي العصر الإيلخاني وصف ابن بطوطة البقيع في كتابه “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”.
البقيع قبل الهدم العثماني
في عام 1220 هـ، لجأ الوهابيون إلى محاصرة المدينة المنورة، ساعين إلى بسط سيطرتهم على مقدسات الإسلام. حيث قاموا بهدم القباب التي في المقبرة. ولم يَسْلَم من هذا التخريب سوى قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بفضلِ تدخلِ السلطان العثماني محمود الثاني، الذي أرسل جيشًا لمواجهة الوهابيين وإخراجهم من المدينة المنورة في عام 1227 هـ. وخلّد التاريخ هذا الحدث باسم “قطع دابر الخوارج”، إيذانًا بانتصار الحقّ على الباطل، ونصرةً للمقدسات الإسلامية.
وقد وصف الرحالة السويسري جون لويس بوركهارت في كتابه “ترحال في الجزيرة العربية” رحلته إلى الحجاز ومكة والمدينة المنورة عام 1230 هـ، أي بعد ثلاث سنواتٍ فقط من حادثة هدم القباب. فقدّم بوركهارت وصفًا مُفجعًا للبقيع بعد التخريب الذي لحق به، حيث لم يبقَ من القبور سوى أكوامٍ من الطين، ولم تسلم من بطش الوهابيين سوى بقايا القباب والبنايات الصغيرة.
الهدم الثاني للبقيع
في عام 1924، شنّ الوهابيون هجومًا عنيفًا، فاستولوا على مكة في نفس العام، ثم واصلوا زحفهم ليُسيطروا على المدينة المنورة في عام 1925. في بادئ الأمر، تريّث الحاكم السعودي ، ابن سعود في ذلك الوقت، خمسة أشهر قبل اتخاذ قرار بهدم الأضرحة، خوفًا من ردة الفعل الغاضبة. اليوم، تبدو معظم القبور في جنة البقيع متشابهة، تعلوها أكوام من الرمال والصخور. حيث لا يمكن التعرف على أكثرها. أما قبور أهل البيت، فيمكن التعرف عليها من خلال الجدران المحيطة بها و المرتفعة قليلا.
إذا كنت تفكر في زيارة المزيد من المعالم الإسلامية في المدينة المنورة، ننصحك بالاطلاع على مقال اكتشاف الماضي: جولة في متحف سكة الحجاز بالمدينة المنورة.
المعالم الإسلامية في مقبرة جنة البقيع
تضمّ مقبرة جنة البقيع العديد من المعالم الإسلامية البارزة، حيث يوجد فيها العديد من قبور الصحابة الكرام، وآل بيت رسول الله عليه السلام، ومن أبرز المعالم الإسلامية الموجودة في المقبرة:
باب البقيع
وهو أحد أبواب السور الداخلي للمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة. ويمكن الخروج منه للوصول إلى مقبرة بقيع الغرقد. حيث تمتلك البقيع عدة أبواب يتم فتحها مرتين يوميًا، مرة صباحًا، بعد صلاة الفجر، ومرة مساءًا بعد صلاة العصر.
زيارة ائمة البقيع
تضم جنة البقيع رفات العديد لعديد من الصحابة الكرام وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم:
آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام
تقع قبور آل بيت النبي عليه السلام عند بوابة المقبرة، الحسن بن علي بن علي طالب حفيد النبي، علي بن الحسين زين العابدين، محمد الباقر بن زين العابدين، جعفر الصادق بن محمد الباقر، العباس بن عبد المطلب عم الرسول عليه الصلاة والسلام. وعلى بعد 25 مترا شمالا من مقابر أهل البيت ثمة سور صغير يحوي قبور بنات النبي عليه الصلاة والسلام. وإلى الشمال قليلا من قبور بنات النبي عليه السلام ثمة سور يحوي قبور زوجاته، أمهات المؤمنين رضوان الله عليهم، باستثناء خديجة بنت خويلد وميمونة بنت الحارث رضوان الله عليهم.
الشهداء والصحابة المقربين
هناك عدد من قبور شهداء غزة الحرّة، الذين ماتوا عام 63 هـجري، وهم يدافعون عن المدينة وأهلها ضد جيش يزيد بن معاوية. وكان من بين الشهداء عبد الله بن أبي بكر حفيد جعفر بن أبي طالب وأبو بكر بن عبيد الله حفيد عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما.
وعلى بعد 135 مترا تقريبا شرقا من شهداء الحرة، يقع قبر عثمان بن عفان، رضي الله عنه، ثالث الخلفاء الراشدين. وإلى الشمال الشرقي من قبر عثمان بن عفان يقع قبرا سعد بن معاذ وأبي سعيد الخدري، رضي الله عنهما.
وصلنا إلى نهاية مقالنا حول مقبرة جنة البقيع، حيث تناولنا المكانة الدينية لهذه المقبرة، وتاريخها العريق في العالم الإسلامي. كما تعرفنا على حادثة الهدم التي تعرضت لها المقبرة. وأخيرَا تعرفنا أئمة البقيع والصحابة الذين دفنوا هناك. للاطلاع على مزيد من المقالات المفيدة التي تقع ضمن هذا الإطار وغيره من المواضيع الشيقة ننصحك بالاطلاع على مدونة بيوت السعودية لتجد فيها كل ما يثير اهتمامك. ننصحك بالاطلاع على مقال معالم المدينة المنورة بين الماضي والحاضر للمزيد من المعلومات في هذا المجال.