هل تساءلت يوماً عن الأسرار التي تخبئها مدينة ثاج الاثرية ، تلك المدينة التي تروى حكايات الحضارات القديمة والشعوب التي مرت من هنا؟ وكيف استطاعت هذه المدينة القديمة أن تبقى شاهدة على تعاقب الأزمان، والاحتفاظ في أعماقها بكنوز لم تكتشف إلا مؤخراً؟
ما هي هذه الكنوز المخبئة، ولماذا ظلت مخفية تحت الرمال في الصحراء لقرون طويلة؟ وكيف يمكنها المساهمة في إغناء معرفتنا بتاريخ المنطقة؟ إن مدينة ثاج التي كانت يوماً مركزاً تجارياً وثقافياً مزدهراً، كانت ولا تزال تحمل في طياتها الأسرار المثيرة التي تنتظر من يكشفها. سنغوص في هذا المقال في أعماق التاريخ، ونستعرض التفاصيل لهذه المدينة الساحرة وكنوزها الدفينة التي لا تزال تدهش المستكشفين والعلماء.
تاريخ مدينة ثاج الاثرية
تعتبر مدينة ثاج أحد أهم المواقع الأثرية في المنطقة الشرقية في المملكة، وقد سميت باسم كنز الآثار، وذلك لما فيها من قطع أثرية ذهبية من حلي وجواهر وذهب عثر عليها في أحد مدافن ثاج والتي تعود لأكثر من ألفي عام. وقد حظي اكتشاف هذه القطع الأثرية بأصداء واسعة على مستوى العالم، ويرجح العديد من علماء الآثار السعوديين أن تكون ثاج عاصمة مملكة الجرهاء المشهورة في الممالك والدول القديمة، حيث كان قاطنوها ينعمون بغنى واسع، وكانت هي المحرك الاقتصادي لمنطقة الخليج العربي قبل حوالي 300 سنة قبل الميلاد.
وبحسب المعلومات التاريخية، فإن الاستيطان في مدينة ثاج التي تبعد حوالي 95كم عن مدينة جبيل يعود للعصور الحجرية، وقد ازدهر هذا الاستيطان في المدينة خلال الفترة الهللنستية الممتدة من ظهر الإسكندر الأكبر في الشرق وذلك في عام 332 ق.م وحتى القرن الميلادي الأول. واستمرت الفترة الاستيطانية خلال الفترة البارثية المتأخرة والساسانية في عام 640 م.
وبحسب علماء الآثار، فإن المنطقة الواقعة داخل السور الأثري، والمساحة الكبيرة التي تقوم المدافن بإشغالها، والآبار الكثيرة تدل جميعها على أن تجمعاً سكانياً كبيراً كان في مدينة ثاج، إلى جانب امتهان سكان المدينة للتجارة والزراعة، حيث أنهم حفروا الآبار خارج المنطقة السكنية المسورة، إلا أن التجارة لم تكن المهنة الوحيدة لسكان ثاج، بل أن بعضهم عمل في الصناعة مثل صناعة الأواني الفخارية. وتمثل المعثورات التي ظهرت بالتنقيبات الأثرية مزيجاً حضارياً نتج عن تأثيرات الحضارات المجاورة التي تربط المدينة معها علاقات تجارية مثل حضارات جنوب الجزيرة العربية ووسطها وجنوبها الشرقي وشمالها الغربي والحضارة الساسانية والحضارة السلوقية وغيرها.
موقع مدينة ثاج الاثرية
تقع مدينة ثاج الأثرية على بعد 80 كم غرب مدينة جبيل، والتي تعد إحدى مراكز المنطقة الشرقية، وتقع في الجزء الشرقي من وادي المياه، وذلك على طريق القوافل التجارية القديمة التي كانت متجهة جنوباً إلى الأفلاج واليمامة، ومنها إلى وادي الدواسر، ثم إلى قريتي نجران والفاو. وقد اكتسب المدينة أهمية بارزة في توفيرها للخدمات اللازمة لازدهار التجارة، حيث كانت تعد من أهم محطات ذلك الطريق التجاري، وتشغل 20 كم مربعاً، منها 4 كم مربعا هي المواقع الأثرية التي يحيطها السور الخارجي والتي تود خاجه مبانٍ أثرية.
مدفن كنوز ثاج الأثري
يعود مدفن كنوز ثاج إلى نحو ألفي سنة، أي للحقبة الهلينستية، وقد كانت شبه الجزيرة العربية في تلك الحقبة متصلة بالعالم المتوسطي من خلال الطرق التجارية. وقد كانت تمر قوافل بخور جنوب الجزيرة العربية بمدينة ثاخ وكانت مصدر الثراء للمدينة، والذي أتاحت وضع التحف التي تتسم بهذا القدر من الترف في المدفن. ومن أبرز الكنوز الأثرية في ثاج:
كنز الملكة المجهولة
بدأت البحث للعثور على قناع ذهبي، وتعود قصة العثور على هذا الكنز إلى الحفريات التي حدثت شمال شرق منطقة ثاج، وقد تم فيها اكتشاف رفات فتاة تبدو وكأنها ملكة، وهي ترقد على سرير من الخشب بدعائم برونزية. وقد تم العثور على لآلئ وأساور وعقد وقفاز وتلبيسات ذهبية إلى جانب هذا القناع. ويبلغ طول القناع 17.5 سم، حيث يمثل وجهاً لفتاة صغيرة تضع في أعلى الرأس ثلاث عصابات ذهبية.
مجوهرات وحلي
تم العثور على عقدين من الذهب مزينين باللآلئ والفيروز والياقوت، إضافة إلى عقد يتألف من 18 حبة لؤلؤ، مع عقد ثالث طوله 22.5 سم.
منحوتات صغيرة لامرأة
إلى جانب القناع الذهبي كنز الملكة المجهولة، تضمن الكنز وجود 4 منحوتات صغيرة تعود لامرأة، وهي مصنوعة بأسلوب كلاسيكي جميل.
عملات ذهبية وأواني فخارية
وبالإضافة إلى الكنوز الذهبية التي تم العثور عليها في المدفن، فقد تم العثور على عملات ذهبية تعود لحقبة تاريخية مختلفة، وعدد من الأواني الفخارية وأقدم فرن لصناعتها في المنطقة. إلى جانب نقوش محفورة الصخر ومكتوبة بالخط المسند. ومع هذه الكنوز تم العثور على دمى على شكل البشر والحيوانات.
وقامت إدارة الآثار والمتاحف السعودية بإغلاق هذا الموقع الأثري حتى لا يكون عرضة للنهب والسرقة حتى يتم استكمال أعمال التنقيب فيه.
تظل مدينة ثاج لغزاً تاريخياً يحفز عقول المستكشفين والباحثين في كنوزها المدفونة وأساطيرها العريقة التي لم تكشف لنا إلا جزءاً صغيراً من تاريخ الجزيرة العربية الغني، حيث أن هذه المدينة تعد شهادة حية على الحضارات التي سكنت وازدهرت في قلب الصحراء. وإن كنت من محبي التعرف على الأماكن التراثية في المملكة يمكنك زيارة قرية الأحساء الأثرية التي تعد من أجمل الأماكن السياحية التي يمكن التعرف عليها، ويمكنك الاطلاع على أبرز المعلومات عنها من خلال زيارة مدونة بيوت السعودية التي توفر لك كل جديد ويهمك.