كيف يمكن لمدينة عريقة أن تحكي قصتها الممتدة عبر قرون من الزمن؟ وكيف يمكن استكشاف مراحل تطورها؟ يعد متحف جدة الإقليمي نافذة على تاريخ مدينة جدة وتراثها الثقافي الغني، فهو ليس مجرد مكان لعرض القطع الأثرية، بل جسر يربط بين الماضي والحاضر. دعونا نستكشف معاً تاريخ هذا المتحف.
متحف جدة الاقليمي
كان يعرف متحف جدة الإقليمي باسم قصر خزام، وهو أحد قصور الملك عبد العزيز الواقع في المنطقة الغربية ومن أفضل متاحف في جدة ، حيث يقع في حي النزلة اليمانية وسط مدينة جدة. وبعد عمليات الترميم لهذا القصر، تم تحويله إلى متحف، ويتم فيه عرض التسلسل التاريخي للقصر من العصور الحجرية وحتى العصور الإسلامية، وذلك وصولاً للدولة السعودية الثالثة. واستغرق بناء القصر 5 أعوام، وقد اكتمل بناؤه في عام 1932، وله ثلاثة وجهات وهي الشمالية المطلة على مصلى العيد، والجنوبية المطلة على حي النزلة اليمانية، وغربية المطلة على منطقة السبيل.
وقد كان الملك عبد العزيز يستخدم القصر ديواناً، حيث يعد من أبرز دواوين الدولة، والذي يقوم الملك فيه باستقبال ضيوف المملكة والمسؤولين وعامة الشعب. وشغل القصر بعد وفاة الملك عبد العزيز العديد من المواقع للمناصب الحكومية المختلفة، وفي نهاية المطاف تم تحويله لمتحف يضم العديد من المعروضات والمقتنيات التي تعود للعصور التاريخية القديمة وهو متحف جدة الإقليمي.
الطراز العمراني لقصر خزام
يتكون القصر من طابقين وملحقات في الجهتين الغربية والجنوبية، وله سور بارتفاع 3 أمتار، وبوابة رئيسية عالية مكونة من برجين متقابلين ومتشابهين في التصميم العمراني والزخرفي. بالإضافة إلى بوابة أصغر من السابقة مكونة من برجين متقابلين متشابهين أيضاً، وقد تم تشييد تلك البوابات بعد الانتهاء من تشييد القصر.
وتم تشييد قصر خزام بالأحجار الجيرية الصلبة المقطوعة من ساحل البحر الأحمر، حيث تعد المادة الأساسية التي استخدمت في بناء المباني في جدة، وتم استخدام مواد أخرى مثل الأسمنت والرمل والبطحاء والأخشاب وحديد التسليح. ويأتي تصميم القصر دالاً على نمط الطراز العمراني الذي كان سائداً في عملية البناء في تلك الحقبة، حيث يرسم التسلسل والتطور العمراني والفني الذي يرتبط بالقواعد التنظيمية والسياسية للدولة.
قاعات متحف جدة الإقليمي
يحتوي متحف جدة الإقليمي ست قاعات تضم محتويات من العصور التاريخية إلى العصر الحديث مروراً بالعصور الإسلامية. ويوجد في بهو القاعات آية قرآنية، بالإضافة إلى لوحة تعريفية بالمتاحف السعودية. بالإضافة إلى صور للمسجد النبوي والمسجد الحرام بعد التوسعة التي قامت في عهد الملك فهد بن عبد العزيز، ومركب صيد تقليدي لتوضيح أهمية الثروة البحرية في حياة سكان مدينة جدة. ويتميز المتحف بسقفه العالي المزين بثريتين وسلك طويل مفروش بسجادة حمراء. وتأتي قاعات المتحف كما يلي:
قاعة عصور ما قبل التاريخ
تمثل تلك القاعة حياة الإنسان الأولى والتي مارس من خلالها حياة الالتقاط والجمع والصيد والترحال، وكيفية صنع أدواته من المواد التي وجدت في البيئة آنذاك ومن أبرزها الحجارة. وتتمثل الأدوات المعروضة في مكاشط، مفارم، رؤوس سهام، وأساطير. وتضم القاعة أيضاُ مجموعة من القطع الفخارية التي تعود لأكثر من 5000 سنة من حضارة العبيد من المنطقة الشرقية. بالإضافة إلى موجودات أثرية من موقع تيماء، مدائن صالح، دومة الجندل، ديدان، نجران، كتابات بخط المسند، أحجار وصخور تم أخذها من حفرية أصحاب الأخدود بنجران.
القاعة الإسلامية
تمثل المعروضات في هذه القاعة الفترة الزمنية من فجر الإسلام وحتى العصور الإسلامية المتأخرة، وتوضح الرسوم فيها انتشار الإسلام والفترة الإسلامية، صور للمسجد النبوي والمسجد الحرام، رسوم توضيحية لانتشار الإسلام في العالم، درب زبيدة، صور للأماكن المقدسة، نسخاً من المصاحف، طرق الحج، وعدداً من الأحجار الشاهدية التي تم العثور عليها في مقبرة المعلاة في مكة المكرمة.
قاعة التراث الشعبي
تضم قاعة التراث الشعبي إحدى قاعات متحف جدة مقتنيات التراث الشعبي، والتي يبرز فيها مدة تطور الحياة في شبه الجزيرة العربية، حيث يشتمل العرض على الملابس، الثياب التقليدية لمناطق البادية ومنطقة الحجار، أدوات القهوة والدلال، أدوات العيش اليومية، بعض الأسلحة القديمة، والحلي بأنواعها.
القاعة الخاصة بالملك عبد العزيز
يتكون مجلس الملك عبد العزيز من مقاعد تركية وكرسي الملك الذي يتصدر المجلس، هاتف الملك الأسود القديم، عصا الملك الخشبية، وعدداً من الصور التاريخية لرؤساء الدول والوفود التي زارت السعودية، مثل صورة الملك مع ملك مصر الملك فاروق عام 1945م، ومع حاكم الكويت مبارك الصباح، ومع الرئيس الأمريكي روزفلت.
القاعة الخاصة بالملك سعود بن عبد العزيز
تضم القاعة مكتبة خشبية خاصة بالملك سعود، مقعد وثير، هاتف الملك وعصاه وسيوفه، ومن أبرزها القردة التي كانت تستخدم في العرضة. بالإضافة إلى صحن مطلب الذهب وطقم الشاي الخاص به.
ويضم فناء المتحف مجموعة صخور كبيرة ذات نقوش صخرية، والتي تمثل رسوم لحيوانات تعود للعصر الحجري، حيث كانت تلك الحيوانات سائدة في منطقة أبحر الشمالية.
يعتبر متحف جدة الإقليمي أكثر من وجهة سياحية، بل من الشواهد الحية على عراقة تاريخ مدينة جدة وثراء ثقافتها التي امتزجت بحضارات العصور السابقة. إن زيارة المتحف فرصة لإحياء الشعور بالفخر والانتماء بتاريخ الدولة العريق حيث يجمع بين التعلم والاستمتاع. وإن كنت من المهتمين بزيارة المتاحف في المملكة يمكنك زيارة متحف نجران والاطلاع على تفاصيله من خلال مدونة بيوت السعودية التي تقدم كل جديد.