ما الذي يجعل قلعة تاروت القطيف إحدى أهم المعالم التاريخية في المملكة؟ لماذا أثارت تلك القلعة اهتمام الزوار والمؤرخين على مر العصور؟ وما هي الأسرار التي يمكن أن تحلها جدرانها العريقة؟ يعود تاريخ قلعة تاروت لحقبة تاريخية غنية تعكس التنوع التاريخي والثقافي في المنطقة، ما جعلها نقطة جذب لعشاق التاريخ والسياح. دعونا نستكشف معاً تاريخ هذه القلعة وأهمية موقعها ودورها في سرد إحدى قصص الحضارات القديمة في الجزيرة العربية.
قلعة تاروت القطيف
تعتبر قلعة تاروت في مدينة القطيف أشهر قلعة اثرية في المنطقة الشرقية في السعودية، وأقدم قلعة في الخليج العربي. وتقع القلعة قبالة ساحل القطيف وعلى بعد 30 كم تقريباً من مدينة الدمام، ويمكن الوصول إليها من خلال جسور تربط الجزيرة باليابسة. ويوجد موقع القلعة على قمة تل تاروت جنوب غرب البلدة القديمة على ساحل الخليج العربي، وتم تشييدها في موقع اكتشفت فيها آثار يرجع تاريخها لنحو 4300 سنة قبل الميلاد. ويعود تاريخ القلعة للقرن السادس عشر، وقد بنيت كواحدة من النقاط الدفاعية العسكرية البرتغالية حيث ترجع أساساتها إلى 5000 سنة قبل الميلاد.
تاريخ قلعة تاروت
تشير النقوش المرسومة على القلعة بالخط المسماري إلى أن تاريخها يعود لنهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد، ويوجد عدة إشارات إلى أن أهالي مدينة قطيف هم من بنوا القلعة وذلك لصد الهجمات البرتغالية، وهناك اعتقاد آخر بأن البرتغاليين هم من بنوا القلعة عندما احتلوا المنطقة وذلك بهدف تركيز أنفسهم فيها. وعلى الرغم من قصر مدة بقائهم في المنطقة مقارنة بالآخرين، إلا أن التقارير التركية التي قام بتحريرها نافذ باشا قائد الغزوات العثمانية على القطيف والأحساء في عام 1288هـ تشير إلى أن القلعة هي إحدى القلاع التي قامت الدولة السعودية الأولى بتأسيسها لصد الهجمات القادمة من جهة البحر.
مخطط القلعة
يأتي سبب تسمية القلعة باسم تاروت من اسم الالهة الفينيقية القديمة عشتروت، والتي تم بناء معبد لها سابقاً في المنطقة. والقلعة عبارة عن متاهة مكونة من الأزقة والممرات التي تعكس طابع المدن الإيطالية والإسبانية والبرتغالية، وتضم واجهات المنازل فيها بقايا من الشرفات بالإضافة إلى الإطارات المنحوتة من بعض النقوش وخشب الساج التي تعكس تراث وماضي الجزيرة، إلى جانب مجموعة من المنازل والأبنية المأهولة بالسكان.
وقد تم بناء القلعة على مساحة 5000 متر مربع على تل جبلي بارتفاع 3 أمتار، بالقرب من مياه ينابيع القلعة، مثل عين العونية وعين العودة، إلى جانب أن القلعة محاطة بالعديد من المساكن والمزارع. وتتميز قلعة تاروت بشكلها البيضوي غير المنتظم، وهي محاطة بسياج من الجص والطين، ومدعمة بأربعة أبراج مخروطية الشكل، وقد انهار واحد منها وبقي ثلاثة.
بناء القلعة
تم بناء قلعة تاروت القطيف على نمط أسلوب البناء البرتغالي، والملاحظ في القلاع العمانية غير منضبطة الشكل، وتضم هذه القلاع 4 أبراج مخروطية، وبرجان شمالي غربي وجنوبي غربي، وهما اللذان يظهران في كل الصور القديمة، حيث أن البرج الجنوبي الشرقي قد تعرض للقصف إبان العمليات العسكرية التي واجهتها الدولة السعودية الأولى لتحرير مدينتي القطيف والأحساء قرابة عام 1206 هـ وقد ظل صامداً حتى 1335 هـ، وعندما انهار أحد المساكن القريبة من القلعة، تم إعادة ترميم القلعة في العهد السعودي عام 1405 هـ.
أما بالنسبة للبرج الشمالي الشرقي فهو مطلاً على سوق تاروت القديم، وقد تم تدميره بالكامل خلال تلك الفترة. وإلى جانب الأبراج الأربعة يوجد أبراج أخرى مثبتة في السور الخارجي الذي يحيط القلعة والقرية معاً، وهي برج ابن دبيس، برج بيت قيس، وبرج الرفعة، وبرج بين عبد الواحد.
الحضارات التي توالت على قلعة تاروت
مرت القلعة بالكثير من الأحداث التاريخية، وعاصرت العديد من الحضارات، وتعرف القلعة باسم الكاستيلو عند أهل المنطقة، وتزخر بالعديد من النقوش والآثار منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد، وما تزال أسوارها سليمة. وتشير الروايات التاريخية أنه تمت إقامة القلعة على معبد عشتار أو عشتاروت، وهي أشخر آلهة حضارات بلاد الرافدين، وتم اشتقاق اسم جزيرة تاروت منها. وبعض المصادر الأخرى تشير إلى أن عشتاروت هي آلهة الجمال والحب عند الفينيقيين. وقام الإغريقيون بتسميتها تيروس، أما الجغرافي اليوناني بطليموس فقد سماها تارو. واشتملت الآثار المكتشفة في المنطقة على بقايا عدة حضارات قديمة، لفترات ما بين 4000-5000 سنة قبل الميلاد تنتمي لحضارة باربار وحضارة العبيد.
الفعاليات التي يتم تنظيمها في القلعة
تم تنظيم نسختين من فعاليات “بستان قصر تاروت” في ساحة القلعة بتنظيم من بلدية محافظة القطيف، وجمعية تاروت الخيرية، وتضمنت الفعاليات غروضاً فنية وأطعمة شعبية وأزياء، أنشطة ثقافية وترفيهية، وورش عمل، أركان للأسر المنتجة، أنشطة فنية للأطفال، جلسات رسم حي مباشر، ورش فنية للرسم، معرض رسم تشكيلي، عروض الفرقة الشعبية، فقرة دخول البحارة والنهام. بالإضافة إلى أمسية “جزيرة تاروت التراث والتاريخ”، وجولات في الحي التاريخي الأثري وقصر تاروت الأثري، وعرض الحرف والمهن القديمة والموروث الشعبي في المنطقة.
تبقى قلعة تاروت القطيف من الرموز الحية التي تروي قصص الحضارات التي تعاقبت على أرض مدينة القطيف، وشاهدة على التاريخ الطويل من التطورات الثقافية والثقافات المتنوعة. ومع استمرار الجهود للحفاظ على القلعة وصيانتها، يصبح دورها ذو أهمية أكبر في إحياء التراث وتعزيز فهمنا للماضي. إن زيارة القلعة ليس رحلة إلى معلم سياحي فحسب، بل فرصة للتواصل مع جزء من هوية المكان وإرث عريق، ما يجعلها وجهة لا تنسي للساعين للتعمق في تاريخ الجزيرة العربية الغني.
وإن كنت من محبي الاطلاع على التراث السعودي، يمكنك زيارة قلعة شمسان في أبها من خلال زيارة مدونة بيوت السعودية التي توفر لك كل جديد.