تختلف رؤى وتوجهات الدول في العالم فيما يتعلق ببناء وتشييد مقرّات ومراكز الحُكم فيها ومساكن حُكامها ، فبينما تتبع بعض الدول أحكاماً وأعرافاً متوحاة من ثقافتها أو شريعتها الدينية أو قيمها المجتمعة التي تحثّها على البساطة والتواضع والتكافل والانسجام مع الحالة الشعبية وأوضاع سائر الناس في الدولة؛ فإنها تحرص دولاً أخرى على إظهار ملامح الترف والسمو والرفعة للدولة عموماً وللطبقة الحاكمة على وجه الخصوص من خلال إنشاء القصور المهيبة والفارهة مثل القصور الملكية في السعودية ، وفيما يُعد بناء وتشييد القصور أمراً مُعتاداً في مُعظم دول العالم على مر التاريخ وبالأخص دول الممالك تحديداً، إذ ترى هذه الدول إجمالاً أن في الأمر ما يوحي إلى هيبتها وأنظمة الحكم فيها،
وإشارة منها إلى أنماط العمارة وأساليب البناء المتميزة فيها، وإلى ما تحفل وتتمتع به الدولة من بذخ ورغد العيش بغض النظر عن الوضع القائم أو الأمر الواقع بين عموم الناس والسُكان في الدولة خلال حقبة أو فترة زمنية مُعينة، هذا ناهيك عن الحرص على رفاهية العائلة الحاكمة وتوفير سُبل الراحة لها تطلعاً نحو إتمام القيام بمهامها ومسؤولياتها بشكلٍ سلس ومتفوق، وفي حين تهتم العديد من الدول بهذه الرؤية وتنتهج هذا النهج في ما يتعلق بمقرات الحُكم ومساكن الحُكّام؛ فلقد برعت المملكة العربية السعودية في هذا الأمر؛ إذ شيّدت على مر تاريخها منذ إنشائها؛ العديد من القصور الفاخرة والمتميزة، وهي التي كانت تخضع بعضها لعمليات تجديد وتطوير لاحقاً، أو يُصار إلى تحويلها لمتاحف وأماكن عامّة سواءً سياحية أو خدمية تستقبل الزوّار من المواطنين والمُقيمين والسُيّاح.
في هذا المقال؛ نُسلط الضوء على نُخبةٍ من أهم القصور الملكية في السعودية عن طريق إيراد نبذة وافيةٍ وموجزةٍ عن كُلٍ منها وتوضيح أبرز مميزاتها وعناصر فرادتها:
قائمة أبرز القصور الملكية في السعودية
فيما يبلغ عدد القصور الملكية في السعودية نحو 100 قصر؛ فإنها تبرز بعضها أكثر مما سواها تِبعاً لما تتسم به من رمزياتٍ واعتباراتٍ خاصة، وفي ما يلي نسرد ونستعرض نبذة عن أبرز هذه القصور الملكية في السعودية:
قصر اليمامة في الرياض
يُعد قصر اليمامة بمثابة المقر الرسمي لملك المملكة العربية السعودية حالياً، ويضم مكتب الملك، ومقر الديوان الملكي السعودي، ومجلس الشورى السعودي كذلك، ولقد تأسس قصر اليمامة في العام 1988م خلال عهد الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، ليغدو منذ ذلك الحين القصر الملكي السعودي الرئيسي الذي يسكنه ملك البلاد ويستقبل ضيوف المملكة فيه وتُعد فيه أهم اللقاءات مع المسؤولين والقادة، وتصدر منه أهم القرارات أيضاً، ويقع قصر اليمامة في الناحية الغربية من العاصمة الرياض، وتحديداً في حي الهدا.
قصر المصمك في الرياض
تم بناء قصر المصمك بالرياض والذي تشير تسميته إلى البناء السميك والحصين والمرتفع في العام 1312هـ الذي يوافق العامين 1894 و1895م وذلك بإيعازٍ من الأمير عبد الرحمن بن ضبعان عند توليه إمارة الرياض في عهد الحاكم محمد بن عبد الله بن علي الرشيد، وذلك بغرض أن يكون المصمك مقراً لحامية ابن رشيد آنذاك، ولدى خضوع الرياض للحكم السعودي؛ جرى استخدام القصر كمستودع للذخيرة والأسلحة منذ العام 1902 وبقي به الأمر على هذه الحال إلى أن عدّت أمانة مدينة الرياض دراسة خاصة لترميم المصمك وبدأت بتنفيذها في العام 1400هـ الذي يوافق الأعوام 1979 و1980م، ثم تبنت فيما بعد وزارة المعارف (ممثلة في الوكالة المساعدة للآثار والمتاحف) بالتنسيق مع الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض برنامجًا لتحويل قصر المصمك أو المسمك إلى متحف يعرض مراحل تأسيس المملكة السعودية الحديثة، وجرى افتتاحه في أوائل العام 1416 هـ الموافق 1995م تحت رعاية الملك سلمان بن عبد العزيز، حين كان أمير منطقة الرياض آنذاك.
قصر المربع في الرياض
أُنشئ قصر المربع على مساحة تصل لنحو 1680 متراً مربعاً في الرياض قبل نحو 90 عاماً من الآن وتحديداً في العام 1938 خلال عهد الملك عبد العزيز آل سعود، وفيما يُعد قصر المربع أحد أوائل القصور الملكية في السعودية إن لم يكن أولها في عهد الدولة السعودية الثالثة؛ فإنه يتميز بما يزخر به من رمزياتٍ واعتبارات تاريخية فارقة في تاريخ الدولة السعودية الحديثة؛ فناهيك عن أنه كان مسكناً للأسرة الحاكمة وشهد استقبال العديد من الزعماء والمسؤولين والقادة الذين زاروا المملكة العربية السعودية؛ فلقد أُقرّت بين جدرانه العديد من القرارات المفصلية، ووضعت العديد من الأنظمة المهمّة لتسيير شؤون البلاد، ومن ذلك ما يتعلق بقراراتٍ مثل القرارات الملكية الخاصة بإنشاء وزارة الدفاع السعودية، والإذاعة السعودية، والمدارس النظامية في المملكة، ومؤسسة النقد السعودية، وكذلك مراسيم إصدار العملة السعودية، إضافة إلى قرارات الدولة الإدارية المتعلقة بأنظمة البرق، وجوازات السفر، والطرق والمباني، والتقاعد، والغرف التجارية، والعمل والعمال، وما إلى هنالك مما يقع في هذا السياق.
القصر الأحمر في الرياض
حينما كان الملك سعود بن عبد العزيز ما يزال أميراً في ظل حُكم والده الملك عبد العزيز آل سعود؛ فلقد كان الأمير سعود بن عبد العزيز آنذاك يسكن في قصرٍ ملاصقٍ لقصر والده ويفصل بينهما سور، وبينما نشب حريقٌ في إحدى الليالي بدءاً من غرفة المؤن في قصر الملك سعود في ذلك الحين وامتد لسائر غرف قصره؛ فلقد اضطر الأمير إلى حمل أسرته والانتقال بهم إلى قصر أبيه الملك عبد العزيز، وهو الذي كان مجاوراً للقصر المحروق إلا أنه لم يُصب بأذىً لدى وقوع الحادثة،
وفي حين لم يكن قصر الضيافة ليتسع لعائلة الملك الوالد وعائلة الأمير سويةً آنذاك؛ فلقد أمر الملك عبد العزيز ببناء قصرٍ جديدٍ لابنه وولي عهده حينئذٍ وكان المشروع من إشراف وتنفيذ المهندس محمد بن لادن ومجموعة من المهندسين الآخرين الذين حددوا سويةً بالتشاور مع الملك؛ موقع القصر الأحمر وباشروا بتنفيذه إلى أن تم الانتهاء منه وإنجازه في العام 1948م ليكون قصر الملك سعود بذلك ويمكث فيه خمس سنواتٍ من ثم ينتقل إلى قصر الناصرية مع بدء فترة حكمه في العام 1953م ليغدو القصر الأحمر مقراً رسمياً بعد ذلك لانعقاد مجلس الوزراء السعودي.
قصر خزام في جدة
بدء بناء القصر الملكي السعودي المعروف باسم خُزام في مدينة جدة منذ العام 1928م خلال عهد الملك عبد العزيز آل سعود أيضاً، واستغرق إتمام تنفيذه 4 سنوات حيث اكتمل بناؤه في العام 1932م، وفي حين اتخذ القصر تسميته نسبةً لما تزخر به المنطقة من نبات الخُزامى حول القصر؛ فلقد شهد قصر خُزام العديد من الأحداث المهمة والبارزة بما في ذلك توقيع أول وأهم اتفاقية سعودية للتنقيب عن البترول، ناهيك عن كونه مكاناً لإقامة الملك ومُركزاً للحكم في تلك الفترة، ولقد سكن القصر كُلاً من الملك عبد العزيز آل سعود والملك سعود بن عبد العزيز أيضاً، ووصولاً للعام 1981م؛ كان قد أصدر الملك فهد بن عبد العزيز مرسوماً بتحويل قصر خُزام في جدة إلى مُتحفٍ وطني عقب نقل إدارته لوكالة الآثار والمتاحف في وزارة المعارف آنذاك، ولقد قامت الوكالة نفسها بترميم أجزاء من القصر وافتتاحه كمتحفٍ يستقبل الزائرين في شهر مارس من العام 1995م.
قصر سلوى في الدرعية
تتمثل الرمزية الأبرز في أهمية ومكانة قصر سلوى الملكي السعودي؛ بكُلٍ من قِدم تاريخ تأسيسه الذي يعود للعام 1765م على يد الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود خلال حقبة الدولة السعودية الأولى، جنباً إلى جنبٍ مع كونه كان مسكناً ومقراً لأمراء وأئمة آل سعود وأُسرهم أو عائلاتهم طوال فترة حكم الدولة السعودية الأولى، الأمر الذي أفضى لشهرته على أنه “موطن المؤسسين الأوائل”، ضِف إلى ذلك ما يقوم عليه القصر من مساحة شاسعة في حي طريف بالدرعية واعتباره أبرز وأشهر المعالم التاريخية في المنطقة مما أسهم في تسجيله ضمن قائمة التراث العالمي السعودي في اليونسكو، وفي السياق ذاته؛ فيضم القصر متحف الدرعية الذي يعرض تاريخ ومراحل تطور الدولة السعودية الأولى عن طريق أعمال فنية ورسومات ونماذج وأفلام وثائقية،
كما أن القصر يُعد تُحفة معمارية فريدة وجذّابة تتبدى تفاصيلها في كُلٍ من وحداته المعمارية السبع التي بُنيت على مراحل متعاقبةٍ ومتلاحقة، وكذلك فإنها تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى جامع الإمام محمد بن سعود أو “الجامع الكبير” الذي يجاور قصر سلوى في حي طريف، إذ يُعد الجامع أحد أشهر المعالم البارزة في الحي أيضاً وكان سابقاً أكبر مسجد في شبه الجزيرة العربية، وهو ما كان يرمز لقوة ووحدة الدولة السعودية آنذاك إضافةً إلى أنه كان يؤم الجامع أعداداً كبيرةً من المُصلين والمجتمعين للتباحث بالشؤون العامة، وفيما تختلف الروايات حول تسمية قصر سلوى في الدرعية؛ فإن الأكثر ترجيحاً منها هي التي تنسبها إلى التسلية التي كان يهبها القصر بنمطه المعماري البديع وتعدد منافعه لكُلٍ من سكّانه وزائريه، وكأنه كان يُذهب عنهم الحزن والهم، ويسليهم بالسعادة والراحة والرفاهية محققاً بذلك السلوى والأُنس لسكّانه وزائريه.
قصر الحُكم في الرياض
تم إنشاء قصر الحكم الملكي السعودي في العاصمة الرياض منذ العام 1747م ليكون مقرّاً رئيسياً لإقامة وسكن العائلة الحاكمة ومركزاً لإدارة شؤون البلاد، ومنذ استعادة الملك عبد العزيز الحكم لآل سعود على المملكة في العام 1902؛ فإنه أمر بإعادة بناء وإصلاح قصر الحكم ليشهد الانطلاقة الفعلية للدولة السعودية الحديثة ويعود بصفته مركزاً للحكم ومسكناً للملك عبد العزيز آل سعود وعائلته، وفي حين استُلهم تصميم قصر الحكم في الرياض من الملامح والسِمات التقليدية للعمارة في المنطقة وأُنشئ بطرازٍ عربيٍ عريق يمزج بين الأناقة والفخامة العربية من ناحية وتلبية الأغراض العسكرية من ناحية أخرى، وهو الأمر الذي يتجلى بالأسوار والقلاح والأبراج والممرات والأدوار أو الطوابق في هذا القصر المهيب والمميز؛ فإنه يتسم ويحظى بمكانةٍ خاصة واعتباراتٍ استثنائية بما فيها كونه غدى بمثابة مركزٍ لمبايعة ملوك المملكة العربية السعودية إذ احتضن مبايعة 5 ملوك في فترات متعاقبة منذ العام 1964م وهم كُلاً من الملك فيصل بن عبد العزيز، والملك خالد بن عبد العزيز، والملك فهد بن عبد العزيز، والملك عبد الله بن عبد العزيز، والملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، هذا ناهيك عن أنه كان مُنطلقاً للعديد من القرارات والتشريعات والأنظمة السعودية، وشاهداً أساسياً على التطور السياسي في المملكة، ومقراً للحاكم وملتقىً للمواطنين السعوديين بحكّامهم والزعماء والمسؤولين بنظرائهم أيضاً، إضافةً إلى أنه كان مسكناً للعائلة الحاكمة وكان يُدعى كذلك باسم قصر الشيوخ، وتِبعاً لهذه المكانة التاريخية لقصر الحكم؛ فإنه تحرص الدولة السعودية على الاهتمام به وصيانته وتطويره بين حين وآخر كما تهتم العائلة الحاكمة بالإقامة فيه وعقد العديد من اللقاءات والأحداث المهمّة والبارزة بداخله أيضاً.
بهذا نكون قد قدّمنا لك في هذا المقال؛ معلومات وافية ومتكاملة بشكلٍ موجزٍ عن بعضٍ من أهم وأبرز القصور الملكية في السعودية عبر استعراض أهم ملامحها والتفاصيل عنها، وتجدر الإشارة هنا إلى وجود العديد من القصور الملكية الأخرى المهمّة والبارزة أيضاً سواءً الموجودة في السعودية أو المملوكة للعائلة السعودية الحاكمة في الخارج بما فيها قصر لويس الرابع عشر في فرنسا وهو المملوك للأمير محمد بن سلمان بعد أن اشتراه مقابل نحو 300 مليون دولار مؤخراً، وكذلك فتضم المملكة العديد من القصور الأميرية المميزة والفاخرة أيضاً بما فيها قصر الامير ممدوح بن عبدالعزيز ال سعود في جدة وهو الذي يلفت ويجذب الناظرين لفخامته ورقيه، وكذلك العديد من القصور الملكية والأميرية الأخرى في المملكة العربية السعودية.
إذا كنت ترغب بالحصول على المزيد من المعلومات وقراءة العديد من المقالات الأخرى المهمّة والشيّقة؛ فإننا ندعوك لتفقّد مدوّنة بيّوت السعودية والبقاء على اطّلاعٍ بكُلِ جديدٍ أولاً بأول.