في أعماق التاريخ السعودي، تتربع قرية عشم الأثرية كواحدة من أقدم وأهم المواقع التراثية التي تسرد حكايات الحضارة الإسلامية المبكرة. حيث كانت محطة استراتيجية لطريق الحج اليمني القديم ومركزًا اقتصاديًا وثقافيًا بارزًا. إلى جانب كونها موطن لمناجم الذهب والفضة، وأطلال المباني الحجرية، وشواهد القبور المنقوشة بالخط الكوفي. في هذا المقال، سنبحر معًا لاستكشاف موقع القرية، شهرتها التاريخية، أسرار التنقيب فيها، وما يجعلها جوهرة أثرية فريدة تعكس عظمة الماضي وثراء التراث السعودي.
حول قرية عشم
تُعد عشم الأثرية من أبرز المواقع التاريخية في المملكة، حيث تشتهر بمزيج فريد من التراث والأصالة. تقع هذه القرية في الشمال الشرقي من محافظة القنفذة بمنطقة مكة المكرمة، على بعد نحو 300 كيلومتر جنوب مدينة مكة المكرمة. تتميز عشم بموقعها الاستراتيجي على ضفاف وادي قرماء، مما جعلها نقطة انتقال بين سهل تهامة غربًا ومرتفعات جبال السروات شرقًا، بالإضافة إلى كونها إحدى محطات طريق الحج اليمني القديم.
موقع قرية عشم
تقع عشم على ضفاف وادي قرماء، وتمثل نقطة الانتقال بين سهل تهامة من ناحية الغرب ومرتفعات جبال السروات شرقًا. تعد القرية إحدى منازل ومحطات الحج اليمني للحجاج المسافرين إلى مكة المكرمة من جنوب شبه الجزيرة العربية. تقع القرية في مكان مميز بين الجبال، وتبعد عن البحر بمسافة 25 كيلومترًا، مما جعلها مركزًا تجاريًا وحضريًا مهمًا في العصور الماضية.
الأهمية التاريخية والحضارية
تُعتبر عشم نموذجًا حيًا يعكس الحضارة الإنسانية لعصور الإسلام الأولى، حيث كانت امتدادًا لحضارة منطقة مكة المكرمة. احتوت القرية بين جنباتها على معالم دينية ومدنية وعسكرية، مما يدل على تنوع الأنشطة والحياة الاجتماعية فيها. كما أن اكتشاف مناجم الذهب والفضة فيها يعكس دورها الاقتصادي والتجاري المهم في تلك الحقبة.
العمارة والبناء
تبلغ مساحة القرية تقريبًا 1500×600 متر، وقد تم بناء معظم أبنيتها باستخدام الحجارة البركانية السوداء، حيث رُصفت الكتل الصخرية بعضها فوق بعض دون استخدام المونة. يصل عدد بيوت القرية إلى حوالي 400 بيت، بعضها يتكون من غرفة واحدة والبعض الآخر من غرف متعددة. كما عُثر على أفران متخصصة لصناعة الزجاج الملون، مما يشير إلى تقدم المنطقة في هذا المجال.
وفي هذا النطاق، اكتشف أين تقع قرية الشقيري ؟
ما سبب شهرة قرية عشم ؟
اكتسبت عشم شهرة واسعة في شبه الجزيرة العربية منذ القدم باعتبارها من مواقع التعدين القديمة، حيث تختزن أراضيها بكميات كبيرة من الذهب. هذا بالإضافة إلى تاريخها العريق ومعالمها الأثرية المتنوعة، حيث تضم القرية أطلالًا لمبانٍ دينية ومدنية وعسكرية، بالإضافة إلى مناجم تعدين كانت تُستغل في استخراج الذهب والفضة.
وقد عُثر في القرية على العديد من الأواني الفخارية والخزفية والزجاجية، مما يدل على نشاطها الصناعي والتجاري في العصور الماضية. ولعل أبرز دليل على شهرة المنطقة منذ القدم ذكرها في العديد من المصادر والكتب التاريخية قبل الإسلام، إلى جانب ذلك فقد دون عنها المؤرخ حسن بن إبراهيم الفقيه في كتابه “مخلاف عشم”، وكذلك كتب عنها العديد من الكتّاب والأدباء القدامى، منهم المقدسي، والبكري، والشريف الإدريسي وغيرهم.
التنقيب في قرية عشم
شهدت عشم جهودًا متواصلة في مجال التنقيب الأثري من قبل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، بدءًا من عام 1402 هجري، ثم أعمال المسوحات الأثرية الأخرى عام 1407 هجري. وقد تم اكتشاف العديد من القطع الأثرية التي تعود لفترات ما قبل الإسلام وحتى القرن الخامس الهجري. شملت الاكتشافات أفرانًا متخصصة لصناعة الزجاج الملون، مما يشير إلى تقدم المنطقة علميًا في ذلك الوقت.
كما تم العثور على شاهد قبر مكتوب بالخط الكوفي ومختوم بتوقيع خطاطي القرية. مما يضيف بُعدًا ثقافيًا وتاريخيًا للموقع. كما تم العثور أيضًا على أساسات مسجد جامع في المنطقة، ويُعتقد أنه كان من المساجد المبكرة في جنوب الجزيرة العربية حيث يشتمل على حجر تأسيس يعود إلى الزمن القديم، وقد تم تأسيسه على مساحة كبيرة وفي وسطها ساحة مكشوفة مع مئذنة رباعية، وقد بُنيت جدارن المسجد من الحجار المغطاة بطبقة من اللياسة الطينية والجص.
اكتشف، لماذا ارتبطت قرية لينة بعهد النبي سليمان؟
السياحة في مدينة عشم الأثرية
تُعد عشم وجهة سياحية جذابة لعشاق التاريخ والآثار، حيث يمكن للزوار استكشاف الأطلال والمباني القديمة والتعرف على تاريخ المنطقة. كما يمكنهم زيارة المناجم القديمة والتعرف على طرق استخراج المعادن في العصور الماضية. تُقدم القرية تجربة فريدة تجمع بين الطبيعة الخلابة والتاريخ العريق، مما يجعلها مقصدًا مثاليًا للرحلات الثقافية والتعليمية.
الحفاظ على التراث
تُولي المملكة العربية السعودية اهتمامًا كبيرًا بالحفاظ على المواقع الأثرية والتاريخية، ومن ضمنها قرية عشم. تسعى الجهات المختصة إلى حماية الموقع من العوامل البيئية والتخريب، بالإضافة إلى إجراء المزيد من الأبحاث والتنقيبات للكشف عن المزيد من أسرار هذه القرية التاريخية. يُعد الحفاظ على مثل هذه المواقع جزءًا من الجهود الرامية إلى تعزيز الهوية الوطنية ونقل التراث للأجيال القادمة.
وبهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية رحلتنا التاريخية في قرية عشم ، حيث تعرفنا على القرية بشكل عام بدءًا من موقعها، أهميتها التاريخية، وتصميمها المعماري. ثم تعرفنا على أسباب شهرة القرية منذ القدم، وأعمال التنقيب التي تمت فيها وما نتج عنها من مقتنيات. وأخيرًا، سلطنا الضوء على الأهمية السياحية في القرية وجهود المملكة في الحفاظ عليها.
للاطلاع على مزيد من المقالات المفيدة التي تقع ضمن هذا الإطار وغيره من المواضيع الشيقة ننصحك بزيارة مدونة بيوت السعودية لتجد فيها كل ما يثير اهتمامك. على سبيل المثال يمكنك الاطلاع على مقال أهم المعلومات حول قرية جبة حائل والنقوش التاريخية فيها.