عندما تسير في أزقة قرية صفينة تشعر وكأنك تعود بالزمن إلى الخلف، حيث تجذب صفينة الزوار بجمالها وتراثها الغني، وتقدم لهم تقاليداً قديمة وما زالت حية حتى يومنا هذا. ومن خلال بيوتها المصنوعة من الحجارة والطين، فإنها تقف شاهدة على عدة قرون من الزمن، ومحاطة بنخيل يروي أيام قديمة كانت فيها القوافل التجارية وقوافل الحجاج تمر منها.
قرية صفينة

اكتسبت قرية صفينة أهميتها ومكانتها التاريخية من موقعها، كونها كانت منزلاً من منازل الحجيج على درب زبيدة، وقد عرفت كواحة لبساتين النخيل والقمح والشعير وبعض أنواع الفواكه الموسمية ومورداً للماء تقصده البادية للارتواء، حيث أنها تضم عدداً من الآثار والمواقع التاريخية الضاربة بجذورها عمق التاريخ القديم والإسلامي، حيث الرسوم الصخرية والنقوش الكتابية والأطلال والمباني التاريخية والآبار في المدينة المنورة مثل بئر وزارزة.
وتتبع القرية لمحافظة المهد التابعة لمنطقة المدينة المنورة، حيث تقع جنوب شرق المدينة، وتبعد عنها مسافة 225 كم، وتبعد عن مهد الذهب مسافة 50 كم. وقد عرفت القرية بهذا الاسم منذ العصر الجاهلي، وكان يسكنها بنو الشريد من سليم، ويطلق الناس عليها اسم قرية الخنساء، وذلك نسب إلى الشاعرة المعروفة الخنساء.
محتويات قرية صفينة
تعد القرية من أهم طرق الحج والتجارة قديماً، حيث تربط مدينة الكوفة في العراق بمكة المكرمة، حيث كانت تعدل فيها قوافل الحديد قديماً للتزود باحتياجاتهم. وتضم القرية ما بين 50 إلى 60 منزلاً، ومحاطة بسور للحماية. وما زالت بيوت القرية قائمة حتى وقتنا الحالي. وتضم القرية ثلاثة دكاكين، ومسجداً مقسوماً لقسمين للصيف والشتاء ويقع شماله بئراً.
البناء في قرية صفينة
من أبرز أحياء القرية القديمة هي القلعة والقصر والنزلة وقصر برزان. وما الأحياء الحديثة فيها: مشرفة الرفيعة والشام والمنقى والجديدة والعريدة وشلقا. وتضم القرية مباني تراثية من جذوع الأشجار والطين من دور واحد، ويوجد ثلاثة مبان مكونة من دورين. ومساحتها الإجمالية حوالي 5000 متر مربع. وتتميز المنازل في القرية ببنائها من الطين والأسقف المستوية، وهي محاطة بسور لا يزال قائماً. أما سكان القرية الحاليون فهم من العوارض، الوساما، المورقة من عتيبة، والعضيلات من مطير.
قرية الخنساء
كان بنو شريد من سليم يسكنون القرية، ومنهم معاوية وصخر أبناء عمرو بن الحارث وقد قتلا قبل البعثة النبوية، وأختهم تماضر بن عمر السلمي المعروفة بالخنساء التي أدركت الإسلام وهاجرت مع زوجها عباس بن مرداس الذي يعد أحد شعراء الرسول عليه الصلاة والسلام. وقد ورد اسم قرية صفينة في شعر الخنساء أكثر من مرة وقد ذكرته عند رثاء أخويها معاوية وصخر بعد فقدهم.
وقد كانت القرية محل حضارات، وتم ذكرها في المصادر التاريخية والأشعار، ويوجد فيها إرث حضاري وعمراني وإنساني عظيم من قلاع وقصور وبيوت من الطين. ولا تزال القرية شامخة كشموخ الجبال، مثل قصر صفينة، أو كما يسميه الناس قصر الخنساء. والقصر الموجود حالياً تم بناؤه على أنقاض قصر الصحابية الخنساء، وقد جدد بناؤه الشيخ سلطان بن غبن في القرن العاشر تقريباً، ويقد وجود القلاع في القصر رمزاً على قوة ساكنيه الذين كانوا ذو مكانة ميسورة، ولديهم شأن في بلدتهم.
تاريخ قصر صفينة – قصر الخنساء

القصر عبارة عن قلاع وحصون محاطة بسور يتألف من مجموعة غرف وأبنية متلاصقة، وقد بنيت من الطين اللبن في جدرانه، وبني له أساس حجري من البازلت بارتفاع متر تقريباً، واستكمل الجدار ببناء مداميك الطين اللبن. وتم إنشاء الأسقف بعوارض من جذوع الأثل، وقد جرى رصف جريد النخل فوقها، وتلتها طبقة من الطين بهدف عدم تسرب مياه الأمطار.
شعر الخنساء الذي قيل في القرية
بعد موت أخوي الخنساء معاوية وصخر، قالت الخنساء فيهما شعراً وذكرت فيه قرية صفينة ، وأبيات الشعر التي تم ذكر القرية فيها هي:
طَرَقَ النّعيُّ على صُفَيْنَة غُدْوَةً
ونَعَى المُعَمَّمَ من بني عَمرو
حامي الحَقيقةِ والمُجيرَ إذا
ما خيفَ حدُّ نوائبِ الدَّهرِ
ختاماً، تظل قرية صفينة من الشواهد الحية على التاريخ الطويل والتراث الغني الممتد لقرون مضت. وتعد القرية وجهة مثالية للسياح والباحثين عن التجارب الاستثنائية. وبفضل موقع القرية الفريد والثروات الطبيعية الموجودة فيها، فإنها تعد فرصة لاستكشاف عراقة الماضي وجمال الحاضر. وإن كنت من المهتمين بالقرى والقصور القديمة يمكنك الاطلاع على قصر آل منجم من خلال زيارة مدونة بيوت السعودية التي توفر كل جديد.