هل تساءلت عن المكان الذي يجمع ما بين عبق التاريخ وألوان الفن في آن واحد؟ وهل يمكنك تخيل قرية تنبض بالحياة الثقافية تقوم باحتضان إرثاً فنياً يعود لأجيال بين أزقتها؟ وهل يمكن لقرية صغيرة أن تكون الشاهدة على التطور في الفنون في المملكة، لتصبح الملتقى للفنانين والمثقفين في كافة أنحاء العالم؟ وهل يوجد مكان يمكن أن تستشعر فيه حضور الفن والإبداع في كل زاوية والإحساس بأنفاس التاريخ العريق الممزوج بألوان الحداثة؟ وهل تخيلت أم هناك مكاناً يجسد الهوية السعودية الفنية بأبهى صورها عبر المهرجانات الثقافية والمعرض الدائم للفنون البصرية والحرف التقليدية التي صمدت أمام تغيرات الزمن؟
تلك هي قرية المفتاحة في مدينة أبها، حيث يلتقي الماضي بالحاضر ضمن لوحة فنية متقنة بالتفاصيل، والتي تعبر عن روح وأصالة المكان، وتجتمع روح الماضي مع رؤى المستقبل في توازن متناغم، مما يجعلها وجهة للتأمل والإبداع. فما الذي يجعل من هذه القرية وجهة استثنائية. وكيف أصبحت المفتاحة رمزاً من رموز الثقافة السعودية؟ وكيف استطاعت أن تحافظ على التراث الثقافي الخاص بها بينما تواكب تطورات العصر؟
نبذة عن قرية المفتاحة
يمتد عمر قرية المفتاحة إلى آلاف السنين، وتعد من أجمل الأماكن السياحية في مدينة أبها ومركزاً ثقافياً تحتضن الحرف والفنون التراثية والتشكيلية والصناعات اليدوية. واستمدت القرية تراثها وحضارتها من طرازها المعماري الذي هو عبارة عن مجموعة مبان متلاصقة تقع على امتداد الممرات الداخلية والخارجية، والتي بنيت بأساليب البناء التقليدية حيث الحوائط السميكة والفتحات الصغيرة. وتضم القرية مركز الملك فهد الثقافي الذي يوجد فيه العديد من المعالم التي تعد مركزاً ثقافياً مميكزاً على مستوى العالم العربي. إلى جانب مقر القرية الأثري الذي يضم مجموعة كبيرة من القطع الأثرية العسيرية، وعدد من محلات الحرف ومحلات بيع العسل ومحلات الفضة ومحلات الأسلحة القديمة ومحلات التحف.
طراز قرية المفتاحة التراثية
تأتي المفتاحة على رأس الوجهات الثقافية والتراثية في منطقة عسير، وتعكس ثقافة المنطقة وفنونها من خلال بنائها على الطراز المعماري العسيري الذي يعكس ثقافة وتراث المملكة، إلى جانب اللمسات الحديثة. وتضم القرية مجموعة من الأعمال التشكيلية لنخبة من الفنانين التشكيليين في المنطقة، وتعتبر من أكبر القرى على مستوى الشرق الأوسط التي تزخر بالفنانين والفن التشكيلي. وتقام في القرية المراسم والمعارض التي يمارس فيها الفنانيين أنشطتهم من خلالها. وتضم القرية المقر الأثري الذي يحتوي على ثلاثة طوابق تضم قطعاً أثرية ومحلات حرف مثل محلات العسل والتحف والفضة.
معالم قرية المفتاحة
تضم قرية المفتاحة مجموعة من المعالم الأثرية والتاريخية والثقافية التي يمكن الاستمتاع بزيارتها وممارسة أجمل الأنشطة فيها. ومن أبرز هذه المعالم:
مسرح المفتاحة
يعتبر مسرح قرية المفتاحة أكبر مسرح مغلق في الشرق الأوسط، وهو يتسع لأكثر من 3800 شخص، وتم استخدام أحدث التقنيات المرئية والصوتية فيه. وقد تغير اسمه ل ” مسرح طلال مداح” في عام 2019 تخليداً لذكرى الفنان السعودي طلال مداح وذلك توجيهاً من وزير الثقافة السعودي.
سوق الثلاثاء
من أبرز المعالم في القرية سوق الثلاثاء الذي يعتبر من أقدم الأسواق الشعبية في عسير، وقد سم بهذا الاسم نسبة ليوم انعقاد السوق وهو يوم الثلاثاء من كل أسبوع. ويعرض في السوق في عدد من المحلات التجارية مجموعة من الصناعات اليدوية والمنتجات المحلية التي تم تصميمها على شكل بيضاوي مقسم لممرات للمشاة. ويشهد السوق إقبالاً كبيراً من الزوار على السوق الشعبي وسوق الثلاثاء والحرف اليدوية التي تعكس تاريخ وتراث منطقة عسير.
مقر المفتاحة الأثري
هو مبنى مؤلف من ثلاثة طوابق، ويضم الكثير من القطع الأثرية العسيرية، ومحلات متخصصة بالحرف مثل محلات العسل ومحلات التحف ومحلات الفضة إلى جانب المركز الإعلامي المتخصص في استقبال الضيوف وتقديم الهدايا لهم لتبقى تذكاراً معهم مثل الصور والمطبوعات.
القرية التشكيلية
تعد هذه القرية من أكبر القرى التشكيلية على مستوى الشرق الأوسط، والتي تهتم بالفن التشكيلي والفنانين، حيث تقوم بعقد الورش الفنية والدورات التشكيلية مثل دورة فن الخزف ودورة الخط العربي. ويتم إقامة المعارض فيها مثل معرض الأرشيف الوطني ومعرض الكتاب. ويوجد في القرية مراسم للفن التشكيلي الذي يمكن الفنانيين من ممارسة أنشطتهم من خلالها. وتحمل القرية شعار قرية المفتاحة التشكيلية .
مركز الملك فهد الثقافي
يوجد في المفتاحة مركز الملك فهدد الثقافي الذي يوفر دورات وورش تدريبية في عدة مجالات في الخط العربي، وتعليم الحاسب الآلي وتعليم فن الخزف ودورات أخرى تهدف للارتقاء بالقدرات المعرفية للزوار. ويقام داخل المركز معارض الكتاب الوطنية ومراسم للفنون التشكيلية تسمح للفنانين ممارسة حرفتهم المفضلة في المركز وعرضها.
تظل المفتاحة في مدينة أبها شاهداً حياً على التقاء الحداثة بالأصالة، والفن بالتراث. فهي ليست مجرد قرية تاريخية وثقافية ملهمة تقوم باستقطاب الساعين لاكتشاف عمق الهوية السعودية وتجلياتها الفنية، بل من خلال تبني الفنون الحديثة والحفاظ على التراث. حيث أصبحت المفتاحة رمزاً لروح التعاون والتنوع الإبداعي بين الأجيال. إن زيارة المفتاحة ليست مجرد رحلة بين أزقتها الضيقة وجدرانها القديمة، بل تعد تجربة غنية تتجاوز المكان للوصول لجوهر الفن والثقافة. وفي عالم سريع الخطى نحو التغيير، تظل المفتاحة العلامة المضيئة التي تذكرنا بأن التراث والفن هما روح المجتمعات الحية. وإن كنت من محبي زيارة الأماكن السياحية والتاريخية يمكنك زيارة مدينة جواثا في الأحساء والتي تستطيع التعرف أكثر عليها من خلال زيارة مدونة بيوت السعودية التي توفر لك كل جديد.