يؤدي الماء دوراً أساسياً وبالغ الأهمية في بقاء الحياة واستمراريتها على سطح الأرض، سواءً البشرية أو الحيوانية أو النباتية أو غيرها، وفي حين تشكّل المياه ما نسبته نحو الثلثين من مساحة الأرض؛ فإنها لا تُعد برمتها أو مجملها صالحة للشرب والاستخدام البشري، الأمر الذي يقود إلى ضرورة العمل على تحلية المياه وتنقيتها بشكلٍ دقيق وحريص، وفي هذا الصدد؛ فإنها تتولى الهيئة السعودية للمياه كل ما يتعلق بشؤون الماء في المملكة العربية السعودية وتقوم بواجبات ومسؤوليات ودورٍ مهم للغاية في هذا السياق.
لذا؛ فإننا نتحدث في هذا المقال عن الهيئة السعودية للمياه بما يشمل توضيح مسؤولياتها ومهامها وأبرز إنجازاتها بعد التعريف عنها وتوضيح ماهيتها.
الهيئة السعودية للمياه
تُعرّف الهيئة السعودية للمياه على أنها هيئة تختص بكل ما يتعلق بشؤون المياه في المملكة العربية السعودية بما يتمثل بتنظيم الأعمال والخدمات المرتبطة بالقطاع المائي في المملكة، والقيام بمهمة الرقابة على الأنشطة المائية وتطوير أساليبها، الأمر الذي يُفضي إلى تعزيز الاستدامة المائية وسير ما يخص القطاع المائي في السعودية من عمليات على النحو الأسلم والأمثل والأفضل توازياً مع معطيات وموجودات وموارد الثروة المائية في المملكة، كما تُسهم الهيئة بفاعلية بتحقيق ما يتعلق بهذه الشؤون ضمن رؤية المملكة العامة ورؤية المملكة 2030، وفي ما يلي ندرج أبرز وأهم الأرقام والإحصائيات المرتبطة بإنتاج أو استخراج المياه في السعودية:
- تمتلك السعودية أكثر من 40 مصنعاً لإنتاج أو استخراج المياه في المملكة وتعمل هذه المصانع وفق منظومات أساسية ورئيسية تتوزع على 3 قطاعات وتتمثّل بـ33 منظومة للقطاع العام، و8 منظومات للقطاع الخاص، ومنظومة إنتاج واحدة لتحلية مياه البحر
- تبلغ قدرات إنتاج أو استخراج المياه عبر تحلية مياه البحر في السعودية؛ أكثر من 11 مليون متر مكعب يومياً؛ حيث يشكّل قطاع تحلية المياه نحو 7.5 مليون متر مكعب يومياً، فيما يحقق القطاع الخاص 3.6 مليون متر مكعب من مياه البحر الخاضعة للتحلية يومياً في السعودية
- تضم السعودية أكثر من 139 وحدة تنقية للمياه الجوفية والسطحية بمعزلٍ عن مياه البحر، وتسهم وحدات التنقية هذه في تعزيز إمدادات المياه لشتى مناطق المملكة
- تزيد قدرات وحدات تنقية المياه الجوفية والسطحية بمعزلٍ عن مياه البحر في السعودية عن 4 مليون متر مكعب يومياً
وفيما يُمكن تلخيص أبرز مهام ومسؤوليات وأدوار وإنجازات الهيئة السعودية للمياه عبر استعراض سلسلة القيمة الشاملة لقطاع المياه كما تسميها الهيئة؛ فإننا نسرد أهم وأبرز مرتكزاتها وإحصائياتها في ما يلي:
إنتاج المياه في السعودية
تنقسم موارد “الإنتاج” كما تسميها الهيئة أو موارد استخراج المياه الصالحة للشرب والاستخدام البشري في السعودية بالعموم؛ إلى قسمين رئيسيين؛ يتمثل الأول منهما في إنتاج أو استخراج المياه عبر تحلية مياه البحر بواسطة مجموعة من التقنيات المبتكرة، مما يُسهم في تحويل المياه عالية الملوحة إلى مياه عذبة ملائمة للاستخدام، فيما يتجلى القسم أو النوع الآخر من موارد إنتاج أو استخراج المياه في السعودية؛ بالإنتاج اعتماداً على تحلية مياه البحر بواسطة المصادر الطبيعية وذلك عن طريق تقنيات وحدات إنتاج تنقية مياه السدود والآبار في المملكة، وتتمثل سلاسل خدمات إمداد إنتاج أو استخراج المياه في المملكة إجمالاً بكُلٍ من التالية:
التقنيات الحرارية
وتعتمد هذه العملية على تسخين مياه البحر عبر سلسلة من الغرف، ليجري تبخيرها وتكاثف الأبخرة، إذ تتصف عملية التبخير بالتأثير متعدد المراحل؛ بالكفاءة العالية في التخلص من أملاح مياه البحر.
تقنية التناضح العكسي
تنتهج هذه التقنية طريقة لتنقية المياه تتلخص في فصل الماء عن المحاليل الملحية المضغوطة باستخدام غشاء، بحيث يجري ضغط المياه دون الحاجة إلى غليانها أو تسخينها حرارياً، ودون الحاجة أيضاً إلى تغيير حالتها، وتجدر الإشارة هنا إلى وصول نسبة المياه المُتخلص منها في هذه الحالة إلى نحو 60% وإنتاج أو استخراج أو الاستفادة من نحو 40% من المياه المستخدمة في عملية التنقية بالتناضح العكسي، وهذا اعتماداً على نسبة الأملاح في المياه المستخدمة بطبيعة الحال.
تنقية المياه العذبة أو الحلوة
إلى جانب مياه البحر التي تشكل نحو 97% من إمدادات المياه في العالم؛ فتعتمد السعودية أيضاً على منابع وموارد المياه العذبة أو التي تسمى بالمياه الطبيعية أحياناً أو المياه الحلوة، وهي التي تتجلى بالمياه الجوفية والسطحية مثل مياه العيون والشلالات والينابيع والأنهار وما سوى ذلك من المسطحات المائية في ما عدا البحار، وبمعزلٍ عن عذوبة هذه المياه وعدم ملوحتها، إلا أنها غالباً ما تحتاج للتنقية من الشوائب أيضاً، وهذا ما تقوم به الهيئة السعودية للمياه باستخدام تقنيات التناضح العكسي أيضاً، وبفضل قلة نسبة الأملاح في هذه المياه؛ فإنها تصل نسبة المياه المنقاة أو المحلاة أو المستخرجة أو التي تتم الاستفادة منها بموجب عملية التنقية بالتناضح العكسي لها إلى نحو 90%.
النقل والتخزين
المقصود بعملية النقل والتخزين للمياه في السعودية؛ أي إجراء تخزين المياه في خزانات استراتيجية وتشغيلية ذات تقنيات متقدمة تضمن الإمداد الآمن، ويتمثل الإمداد الآن بإجراء نقل المياه التي يتم إنتاجها في السعودية من مصادرها والخزانات التي تُخزّن فيها؛ إلى المستخدمين في مختلف أنحاء المملكة، وذلك بواسطة أنظمة نقل مياه رئيسية ذات سعات عالية وباستخدام أنابيب تتجاوز أطوالها آلاف الكيلومترات وتكون موازية للقدرات الإنتاجية في المملكة، ، وفي هذا الصدد؛ فإننا نورد تالياً أبرز وأهم الأرقام والإحصائيات المرتبطة بنقل وتخزين المياه في السعودية:
- تفوق قدرات أنظمة نقل المياه المحلاة أو المُنقاة في السعودية؛ 19 مليون متر مكعب في اليوم الواحد، وهو رقم قياسي جديد مُسجّل في موسوعة غينيس في العام 2024
- يبلغ إجمالي أطوال خطوط أنابيب أنظمة نقل المياه المُحلاة أو المُنقاة في السعودية؛ أكثر من 14 ألف كيلومتر
- يزيد إجمالي قدرات التخزين الاستراتيجي المُعزز لمفهوم الأمن المائي في السعودية عن 25 مليون متر مكعب في المجمل
- حققت الهيئة السعودية للمياه رقماً قياسياً لاستهلاك الكهرباء في نقل المياه لمسافات تتجاوز 450 كيلومتراً، وهو عند معدل 3.5 كيلو واط للساعة تقريباً
وفي السياق ذاته؛ فإنها تتبدّى سلاسل خدمات إمداد النقل والتخزين للمياه في السعودية من الهيئة السعودية للمياه بما يلي:
أنظمة نقل عملاقة
وتتولى مسؤولية نقل المياه المحلاة أو المنقاة لمسافات طويلة وبكميات كبيرة وضخمة وعلى ارتفاعات عالية تتجاوز 2,000 متر عن سطح البحر.
تعزيز الطاقة لنقل المياه
ويتجلى هذا الأمر بتشكيل بنية تحتية هائلة تعمل على إيصال مصادر الطاقة الكهربائية لمحطات ضخ المياه في المناطق النائية ضمن المملكة وعلى امتداد أنظمة نقل المياه في السعودية.
الخزن الاستراتيجي
يُشير مفهوم الخزن الاستراتيجي إلى منظومة تخزين كبيرة وضخمة ومتشعبة تربط بين أنظمة نقل المياه المحلاة أو المنقاة في السعودية من جانب، وشبكات التوزيع في المملكة من جانب آخر، وتُسهم منظومة الخزن الاستراتيجي هذه بتعزيز ورفع عدد أيام الخزن الاستراتيجي للاستخدام الحضري تطلعاً نحو تحقيق مستهدفات 2030م.
التوزيع
يجري توزيع المياه المحلاة أو المنقاة والمستلمة في ما يُعرف باسم بوابات الاستلام في السعودية؛ عبر شبكة المياه التي تُعنى بمسؤولية إيصال المياه لشتى مناطق المملكة وإمداد المستفيدين فيها بالمياه من خلال ربطهم بهذه الشبكة، وفيما يزيد إجمالي أطوال شبكات توزيع المياه التابعة للهيئة السعودية للمياه عن 120 ألف كيلومتر؛ فإنها تبلغ نسبة العملاء مستخدمي العدادات الإلكترونية في المملكة نحو 99.7% متر مكعب لليوم، كما أنها حققت هيئة المياه السعودية أكثر من 60 ألف توصيلة جديدة لدعم وتعزيز خدمات التوزيع والصرف الصحي في المملكة، وذلك في ضوء متوسط ساعات الضخ الذي يزيد عن 20 ساعة للأحياء المخدومة والمتصلة بشبكات توزيع المياه في السعودية، وعطفاً على ما سبق؛ فإننا نوضح تالياً سلاسل خدمات إمداد توزيع المياه في السعودية من الهيئة السعودية للمياه:
شبكات توزيع المياه
ويُقصد بها كل ما يرتبط بإدارة وتشغيل وصيانة وتوسعة شبكات التوزيع التي تمتد داخل الأحياء والقرى والهجر والمدن والمحافظات والمناطق السعودية، وذلك بُغية تسهيل حصول المستفيدين على مياه الشرب النقية ورفع مستوى التغطية لخدمات المياه في المملكة.
الاستهلاك
وهو الذي يُحسب اعتماداً على كميات ونِسب مياه الشرب الواصلة والمتوفرة في التجمعات السكانية بما يُلبي احتياجات السكان والأنشطة التجارية والحكومية على حدٍ سواء وما سوى ذلك في هذا السياق، ويشهد الطلب على المياه الصالحة للشرب والاستخدام زيادة ملحوظة ومتعاقبة في السعودية نتيجة لمواسم للحج والعمرة رفقة المشاريع التنموية والنمو السكاني والحيوي في المملكة، وبناءً على ذلك؛ فتهدف هيئة المياه السعودية لتوفير 150 لتراً لكل فرد يومياً من أجل ضمان توفير مياه نظيفة وصالحة للشرب بأكبر قدرٍ ممكن لكل من يحتاجها في السعودية.
البنية التقنية لشبكات التوزيع
وهي التي تتمثل في الشبكات التي توزع المياه في السعودية بما يشمل أنابيب النقل وصمامات التحكم والمحطات والمضخات وأنظمة المراقبة والتحكم والقراءة عن بعد وأجهزة الاستشعار، وكذلك جهاز تنقية المياه أيضاً، وتستخدم هذه الوسائل وتعتمد على تقنيات متقدمة مثل نظم المعلومات الجغرافية لتحسين عملياتها، والقيام بأدائها على النحو الأمثل والأسلم، وضمان التوزيع الفعال والمستدام للمياه في السعودية.
معالجة مياه الصرف الصحي
تهتم الهيئة السعودية اهتماماً وفيراً بمعالجة المياه واستخدامها بشكلٍ راشدٍ ومُجدٍ بأكبر قدرٍ ممكن بما في ذلك مياه الصرف الصحي في المملكة، حيث تستخدم الهيئة نظاماً منفصلاً لنقل مياه الصرف الصحي، وذلك من أجل معالجتها أو التخلص منها، مما يسنح إعادة استخدامها لأغراض مفيدة ومهمّة مثل ري النباتات على سبيل المثال وغير ذلك من الوظائف الأخرى، إذ تُسهم هذه العملية المتمثلة في معالجة المياه والاستفادة منها؛ في الحفاظ على قيمة المياه كعنصرٍ أساسي من عناصر التنمية المستدامة، وهو ما يُفضي أيضاً إلى خفض الضغط والاستهلاك من الموارد المائية الطبيعية أو العذبة، وفي هذا السياق؛ فإنها تتجاوز أطوال شبكات الصرف الصحي التابعة للهيئة السعودية للمياه؛ 50 ألف كيلو متراً، فيما أجرت الهيئة أكثر من 33 ألف توصيلة صرف صحي جديدة في عام 2023 الماضي، وفي حين وصلت دخول أطوال شبكات الصرف الصحي في المملكة إلى أكثر من 3,000 كيلومتراً في العام 2023م؛ فلقد زاد عدد المستفيدين الجدد من شبكات الصرف الصحي في السعودية بالعام 2023م عن 500 ألف مستفيد، وتجدر الإشارة هنا إلى سلاسل خدمات إمداد معالجة المياه من الهيئة السعودية للمياه في السعودية وهي التي تتجلى بما يلي:
الصرف الصحي
وذلك عبر جمع مياه الصرف الصحي من خلال شبكات تمتد داخل النطاق العمراني للوصول إلى المشتركين.
البنية التحتية
ويُقصد بالأمر المحافظة على البيئة من خلال بنية تحتية متكاملة لمنظومة الصرف الصحي داخل النطاق العمراني المساهم في تعظيم الاستفادة من المياه المعالجة في عمليات أخرى.
تقنية الثلاثية
وتُعرف على أنها نهج متكامل يستخدم ثلاث مراحل: الأولى منها ميكانيكية وتُستخدم لإزالة الجسيمات الكبيرة، والثانية كيميائية تستهدف إزالة الملوثات الكيميائية، والثالثة حيوية تتولى مسؤولية التخلص من العوامل الحيوية، وبشكلٍ عام فإنها تُسهم تقنية الثلاثية إسهاماً فاعلاً وكفؤاً في تحسين جودة المياه وجعلها صالحة للشرب والاستخدام.
إعادة الاستخدام
ويًقصد بإعادة استخدام المياه المعالجة أي توظيفها في أغراض مختلفة ومتنوعة بما يحقق هدف الاستدامة المائية في السعودية، وذلك ما يشمل كُلاً من الري الزراعي، والاستخدامات الصناعية، والتجديد المائي والتبريد، والمزيد من الأغراض والمستهدفات الأخرى المشابهة وذات الصلة، وما هو ما يُسهم في توفير المياه العذبة أو الطبيعية، وتقليل الاعتماد على مصادر جديدة، ويُشار هنا؛ إلى أنها تبلغ كميات المياه المعاد استخدامها من قِبل الهيئة السعودية للمياه؛ أكثر من 500 مليون متر مكعب، وعلى قع ذلك فإنها تزيد كميات إمداد مياه الري عن 190 مليون متر مكعب في السعودية، وتصل نسبة المياه المجدد للري للمستفيدين إلى 95%، فيما تبلغ كميات الاستخدامات الأخرى للمياه المعاد استخدامها في السعودية؛ أكثر من 300 مليون متر مكعب، وفي السياق ذاته؛ فإنها تتبدّى سلاسل خدمة إمداد إعادة الاستخدام من الهيئة السعودية للمياه بما يلي:
الجدوى الاقتصادية
إذ توفر إعادة استخدام المياه في السعودية منسوباً كبيراً من المياه العذبة أو الطبيعية، كما تقلل من التكاليف التشغيلية، وتُسهم في تحقيق الاستدامة المائية في المملكة، إضافةً إلى توليد الإيرادات من الاستخدام في الري والصناعة، وتقليل الاعتماد على المياه العذبة وتكاليف التنقية في هذا الإطار.
تطلعات السعودية الخضراء
تركز مبادرة السعودية الخضراء على إعادة استخدام المياه وتطوير تقنيات متقدمة لمعالجة واستخدام المياه في الري والصناعة، وتهدف المبادرة أيضاً إلى توفير المياه العذبة وتقليل الاعتماد على مصادر جديدة، وتحقيق الاستدامة المائية والحفاظ على الموارد المائية على النحو الأمثل والأفضل في المملكة العربية السعودية.
بهذا نكون قد قدّمنا لك في هذا المقال؛ معلومات وافية ومتكاملة عن الهيئة السعودية للمياه بما يشمل توضيح مسؤولياتها ومهامها وأبرز إنجازاتها بعد التعريف عنها وتوضيح ماهيتها.
إذا كنت ترغب بالحصول على المزيد من المعلومات، وقراءة العديد من المقالات الأخرى المهمّة والشيّقة؛ فإننا ندعوك لتفقّد مدوّنة بيّوت السعودية والبقاء على اطّلاعٍ بكُلٍ جديدٍ أولاً بأول.