ما هو دور الماء في استقرار المجتمعات وبناء الحضارات؟ كانت ابار المدينة المنورة قديماً شريان الحياة لسكانها، حيث لعبت الدور المحوري في تلبية احتياجاتهم من الماء يومياً، سواء للشرب أو الزراعة أو غيرها. وتلك الآبار ليست مجرد مصادر للماء، بل تعتبر شواهد حية على تاريخ المدينة المنورة وتراثها العريق، والذي يجمع بين عبق الماضي وروح الكفاح للبقاء في بيئة صحراوية قاسية.
أشهر ابار المدينة المنورة
أولت الجهات الرسمية اهتماماً برصد الآبار القديمة في المدينة المنورة، والعناية بها بوصفها إرثاً تاريخياً بارزاً، ومن المعالم الإنسانية الملموسة المرتبطة بالحياة الاجتماعية لسكان المدينة المنورة قديماً قبل وبعد الهجرة النبوية. ومن أبرز تلك الآبار:
حاء – بيرحاء
كان يملك هذا البئر أبي طلحة بن سهل، وقد تصدق بها للمسلمين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعذب من مائها. ويقع هذا البئر الآن داخل المسجد النبوي من الجهة الشمالية قرب باب الملك فهد. تعتبر بئر أبي طلحة رمزًا للكرم والعطاء في التاريخ الإسلامي، حيث تجسد روح التعاون والمشاركة بين المسلمين في تلك الحقبة. كما أنها تعكس أهمية الماء في حياة المجتمع الإسلامي آنذاك، حيث كان يُعتبر مصدرًا للحياة ووسيلة للتواصل الاجتماعي والعبادة.
بئر البوصة – البصة
يعد هذا البئر من ابار المدينة المنورة التاريخية والتي قام الرسول صلى الله عليه وسلم بغسل رأسه من مائها، وقام بصب غسالة رأسه ومراقة شعره بها. ويقع بئر البوصة الآن تحت وقف البصة والنشير من المنطقة الشمالية الغربية مقابل مدرسة العلوم الشرعية.
بئر العهن
كان بئر العهن يعرف ببئر العسرة، وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم اليسيرة. ويقع البئر الآن بامتداد شارع قربان، وذلك بعد الإشارة المرورية والمتجه لسد بطحان، قبل الوصول لبستان سوالة إلى اليسار. ويقع بالقرب منه بئر عذق الذي استقبل أهل المدينة المنورة النبي محمد عند قدومه للمدينة والتي تقع غرب مسجد قباء.
عثمان
يعرف باسم بئر سيدنا عثمان، حيث يقع في العقيق، وهي مملوكة لسيدنا عثمان وقد احتفرها رجل من قبيلة مزينة ثم قام ببيعها لرومة الغفاري. وقد كان يستعذب ماءها تبع ملك حمير ثم استعذب ماء البئر النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقد قام سيدنا عثمان بشرائها ووقفها للمسلمين بعد أن قال النبي عليه الصلاة والسلام: “من يشتري بئر رومة يجعل دلوه مع الدلاء”. ويوجد البئر أحد ابار المدينة المنورة داخل البستان الذي يتبع لمديرية الزراعة في حي الأزهري بسلطانة.
بئر ذروان
كانت هذه البئر لبني زريق، وهي البئر الذي قام المنافق لبيد بن الأصم بوضع السحر للنبي محمد عليه الصلاة والسلام تحت راغومتها، وقد كان ماؤها كنقاعة الحناء وكان نخلها كرؤوس الشياطين. وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام بدفن البئر بعد إخراج السحر منه. واسم ذروان يعود لحي من أحياء المدينة المنورة المنتج من قبلة المسجد النبوي وحتى طريق درب الجنائز، ويدخل كلاهما ضمن توسعة المسجد النبوي الجنوبية.
أنس بن مالك
بئر أنس بن أي مالك من أشهر الآبار النبوية في المدينة المنورة وقد كان يسمى هذا البئر في الجاهلية باسم (البرود)، حيث يقع قرب المسجد النبوي من الناحية الشرقية، وقد كانت لخادم رسول الله عليه الصلاة والسلام أنس بن مالك. وقد استسقى الرسول منها دلواً وسكبه على اللبن وشرب هو وأعرابي على يمينه منه.
بئر السقيا
كان النبي محمد عليه الصلاة والسلام يستعذب له الماء من بيوت السقيا، وقد كان البئر لمالك بن النضر والد أنس. ويقع البئر بالقرب من مسجد السقيا الذي قام الرسول بالدعوة لأهل المدينة بالبركة عنده، وكان يستعذب ماؤها ويتوضأ منها. وعنده أيضاً تفقد جيش بدر. ويقع البئر أحد ابار المدينة المنورة جنوب مسجد السقيا والواقع على خط الاسفلت المتجه إلى جدة.
بئر غرس
يعد بئر الغرس من ابار المدينة المنورة التي توضأ منها النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأهرق بقية وضوئه فيه. وقد كان النبي يشرب منه ويستعذب له منها، وأوصى أن يغسل من مائه. ويقع البئر في منطقة قربان شرق مسجد قباء من تقاطع شارع قربان مع طريق الهجرة.
الرقاع
هي عبارة عن بئر جاهلية، سميت بهذا الاسم نسبة لغزوة الرقاع لأنهم رفعوا راياتهم، أو لصلاة الخوف بها، أو لأن خرقهم كانت ملونة. وقد قال أبو موسى الأشعري إنها سميت بذلك لما لفوا على أرجلهم من الخرق. تعتبر هذه البئر من المعالم التاريخية الهامة في التراث الإسلامي، حيث تحمل في طياتها ذكريات الأحداث العسكرية والدينية التي شهدتها تلك الفترة.
بئر بضاعة
هو بئر أثري قديم، يقع في الجهة الشمالية الغربية من الحرم النبوي الشريف، وقد كان مملوكاً لبني ساعدة، وقال النبي عليه الصلاة والسلام فيه: “الماء طهور لا ينجسه شيء” وقد توضأ وشرب منها. وقد دخل البئر في التوسعة الأخيرة للمسجد النبوي، وصار جزءاً من الساحات الخارجية، ويبعد 60 م عن الركن الشمالي الغربي للسور المحيط بساحات الحرم باتجاه الشمال الغربي.
في الختام، تبقى ابار المدينة المنورة من الرموز الخالدة التي تجسد ارتباط الإنسان بالماء كأحد العناصر الأساسية على مر العصور. ومع تطور التقنيات الحديثة اليوم، قد يكون الاعتماد على تلك الآبار قد تضاءل، إلا أن القيمة التاريخية والثقافية لها ستظل حاضرة في ذاكرة الأجيال، وتذكرنا بأهمية الحفاظ على التراث والموارد المائية التي تمثل هوية مجتمعاتنا. وإن كنت تريد الاطلاع أكثر على معالم المدينة المنورة يمكنك زيارة مدونة بيوت السعودية التي تقدم لك كل جديد.